بقلم: عبدالله بن حمد العسكر (1)
لعقود البيع صيغ وعبارات يتبعها الكاتب أو المملي تتفاوت حسب مكانته العلمية وسعة مداركه الشرعية فمن خلالها يستطيع القارئ أن يحدد ثقافة كاتبها وإلمامه الشرعي في قوانين كتابة العقود.
وقد يدل طول عقد البيع على أهمية المباع ومكانة البائع والمشتري في مجتمعه بما يجعل الكاتب الذي يحكم في صحة العقد وإمضائه يتبع أسلوبًا رفيع الدرجة والعبارة مستعينًا بقدرته العلمية في تسطيره.
ومن خلال رحلتنا هذه نستطلع وثيقة عقد بيع أعتبرها من أطول عقود البيع التي وقفت عليها حتى الآن وأبلغها نصًا وحرفًا وتأكيدًا، وهي لنخيل وأرض زراعية في (المجمعة) قاعدة إقليم سدير، كتبها وحكم بها الشيخ عبدالله بن أحمد بن محمد بن سحيم في تاريخ الثاني من المحرم/ سنة 1163هـ وعدد أسطرها (39) سطرًا، احتوت على جميع ما يهم المتعاقدين من حضور الباعة ووكلائهم وشهادات الشهود وصفة كل منهم بما له أو عليه وكذلك تحديد الحدود وغيرها من ملزمات العقود.
ابتدأ الكاتب العقد بأسباب البيع وموجباته ثم ذكر أسماء الباعة ومن ينوب عنهم وعلاقة كل منهم بالآخر ووثق ذلك بشهادة شاهد عليهم جميعًا بعد ذلك كتب إقرارهم بالبيع كل حسب نصيبه ومقداره ثم بدأ في وصف العقار المباع ومكانه وذكر الحدود واسم المشتري ومقدار ثمن البيع كما أثبت ملحقات المبيع من أرض وبئر ومبنى وغيرها بعدها أعاد في التأكيد على حدود العقار المباع قائلًا:
“والمبيع المذكور معلوم مشهور بمكانه شهرة كافية عن التحديد لكنه نحده احتياطًا”، وهذا الاحتياط مما يبعث على الطمأنينة في نفس المشتري والقارئ لعقد البيع ثم أنهى الكاتب مسألة البيع في جُمل هي أبلغ ما قرأت في عقود البيع النجدية أتت في أحد عشر سطرًا دلت على مكانة كاتبها العلمية ودرجته الفقهية حيث قال:
“فانبرم البيع بشروطه المعتبرة له شرعًا الملزمة له حكمًا بينهم بالإيجاب والقبول بعد البلوغ والرشد على الطوع والصحة والرضا وجواز التصرف والمعرفة بما عقدا عليه ثمنًا ومثمنًا وهو حينئذ ملكهم فصار بيعًا صحيحًا شرعيًا لازمًا مرضيًا فصلًا لا ثنيًا فيه ولا خيار مشتملًا على جميع شروط الصحة الشرعية جاريًا على قانون الشرع وجادته النقية سالمًا من شوايب البطلان ومفسداته الردية فبموجب ذلك وصحته ولزومه شرعًا لم يبق للباعة المذكورين ولا لمن يأتي من جهتهم في العقار المزبور حق ولا مستحق ولا دعوى ولا طلبة بوجه من الوجوه الشرعية والفرعية بل هو ملكًا خالصًا وحقًا لازمًا للمشتري المذكور ولمن يأتي من جهته حكمًا كالميراث يتصرف فيه بما شاء متى شاء كيف شاء” .
بعد ذلك أثبت شهادة شاهدين على جميع ما سطر في العقد وأثنى على أحدهما بما عرف عنه من ورع وتقوى.
وفي آخر العقد ختم الكاتب رحلته الطويلة مع المتعاقدين والشهود بالوثيقة في ستة أسطر منهيًا بها عقدًا يعد من أطول عقود البيع في نجد ذلك الوقت فقال:
“وكتب شهادتهما بأمرهما بعد طلبهما ممن له ذلك وأثبتها وحكم وألزم بموجبها راجي عفو ربه الكريم العلي الفقير إلى الله تعالى عبدالله بن أحمد بن محمد بن سحيم الحنبلي عفا الله عنهم بمنه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم). ثم قال مؤرخًا للعقد وشاهدًا عليه: “وأنا يا كاتب هذه الوثيقة أشهد بما وضعت به خطي تاريخ ثاني المحرم سنة 1163هـ ثلاث وستين وماية بعد الألف من هجرة سيد المرسلين وإمام المتقين وقايد الغر المحجلين صلى الله عليه وسلم ما اعتقب الليل والنهار وقصد السيل القرار آمين”.
فوائد وأهمية الوثيقة:
بعد قراءتنا السريعة لهذه الوثيقة نذكر أهم الفوائد التي بها قبل البدء في الرحلة مع نص وتحقيق الوثيقة.
أ – فوائد الوثيقة:
1. إعطاء صورة عن بعض الأحوال العلمية في نجد قبل 258عامًا.
2. معرفة أساليب كتابة العقود المتبعة لدى بعض العلماء في ذلك الوقت.
3. إثبات أن الكاتب كان قاضيًا في المجمعة رغم معارضة بعض المترجمين والمؤرخين لذلك، والدليل إثبات الكاتب وحكمه وإلزامه لشهادة الشهود في العقد، أيضا ما لوحظ من شرعية النصوص بالوثيقة.
4. الوقوف على بعض الأنشطة والأحوال الاقتصادية والزراعية في المجمعة، خاصة ونجد عامة في تلك الفترة.
5. الوقوف على بعض العالم الطبيعية والعمرانية لمدينة المجمعة وحدود توسعها سنة 1163هـ.
ب- ثمن المبيع:
أما المبلغ الذي بيع العقار مقابله فكان (92 أحمر زرره) والأحمر عملة ذهبية ذكرت في تواريخ نجد كثيرًا وهي من ضرب الدولة العثمانية.
وأعتقد أن تسميتها بالأحمر مقتصرة على نجد وشرق الجزيرة العربية، حيث جرت العادة عندهم على تسمية الشيء بأحد صفاته والحمرة من صفات الذهب الخالص.
قال في القاموس المحيط: “الأحمر ما لونه الحمرة ومن لا سلاح معه جمعها حُمر وحمران. وتمر والأبيض ضد. ومنه الحديث (يا حميراء) والذهب والزعفران” (2).
أما أقدم ذكر للأحمر في تواريخ نجد فيعود لسنة (1099هـ) كما جاء في تاريخ الفاخري حيث قال: “وفي سنة تسع وتسعين بعد الألف كثر العشب والفقع والجراد ورخص الزاد حتى بلغ التمر عشرين وزنة بمحمدية، والحب خمسة أصواع هذا في سدير وبيع في الدرعية ألف الوزنة بأحمر” (3) .
وذكر ذلك ابن بشر في تاريخه في حوادث سنة (1099هـ) ضمن سوابقه فقال: “وفيها كثر الله الكمأة والعشب والجراد ورخص الطعام رخصًا عظيمًا، وبلغ التمر عشرون وزنة بالمحمدية، والبر خمسة آصع بالمحمدية وذلك في ناحية سدير وأما العارض فبيع التمر في الدرعية ألف بأحمر”. (4)
كما ذكره محمد ابن عباد المتوفى سنة (1175هـ) في حوادث سنة (1100هـ) من تاريخه فقال: “وفيها كسد الزاد حتى أنه وصل بالدرعية ألف وزنة بأحمر» وابن عباد – رحمه الله – أقدم من سابقيه (الفاخري وابن بشر”.
وأما الزرره (جمع زَر) بالفتح فهو اسم يطلق على العملة المذكورة، ومعنى كلمة (زر) الذهب بالفارسية (5) وبعض أهل نجد ينطقها ) زرّ) بالشد والصواب فتحها .ويعتقد البعض أن الأحمر عملة والزر أخرى حيث ذكرت في بعض الوثائق مفردة دون ذكر الأحمر ومن النص المذكور في الوثيقة يتضح أن الأحمر والزر هما عملة واحدة. وقد ذكر الزر مفردًا في حوادث سنة 1187هـ و 1206هـ من تاريخ ابن بشر. وكذلك عثرت على عقد بيع لعقارات في المجمعة كتبه الشيخ أحمد بن محمد التويجري – رحمه الله – سنة (1191هـ) ذكر فيه أن ثمن المبيع هو (203) زرره.
ج – الأعلام في الوثيقة:
ورد في عقد البيع أعلام من الرجال والنساء تختلف صفاتهم في العقد وهم العنصر الرئيس في موضوع الوثيقة وتعد أسماؤهم مرجعًا لأنساب أسرهم في وقتنا الحاضر.
وهذا بيان تفصيلي بالأعلام وصفاتهم الواردة في العقد:
م | الأسماء | الصفة |
1
2 3 4 5 6 7 8 |
عبدالله وعثمان وغالية وفاطمة أبناء حسن بن محمد بن حماد بن شبانة
سليمان بن إبراهيم الملقب العسكر منصور بن عبدالله بن محمد بن حماد أحمد بن بدر بن علي (وصفه الكاتب بالعدالة) عقيل بن عبدالله بن بدر محمد بن ناصر محمد بن عبدالله أبانمي (قال عنه الكاتب مثنيًا عليه أنه الرجل الورع التقي) مقحم بن إبراهيم بن بدر |
بائعون
نائبًا عن زوجته غالية نائبًا عن زوجته فاطمة شاهد مشترٍ بائع شاهد شاهد |
د – المعالم والمواقع الجغرافية:
وهي من أهم الأمور التي حرص الكاتب على تقييدها وإثباتها كونها تأتي في المقام الأول لعقود البيع وذلك لأهميتها في حدود العقار المباع وتجنبًا للخلاف مستقبلًا.
بداية الرحلة :
أما الآن فهذا نص الوثيقة يليه تحقيقها وقد جعلت التحقيق مفردًا عن النص لطول التعليقات في بعض الفقرات راجيًا للقارئ رحلة تاريخية سعيدة.
النص:
1. سبب سطره وتحريره وإثباته وتقريره الأخبار بدليل هو أن أولاد .
2. حسن بن محمد بن حماد شبانه [1] وهم إذ ذاك عبدالله وعثمان .
3. وغالية وفاطمة وذلك بعد وفاة أخيهم ناصر وارثهم باقي .
4. تركته بعد وفا [وفاء] دينه لله تعالى ولخلقه وكان وليي وفا دينه أخيه .
5. أخيه [2] عثمان بوصيته إليه فحظر عبدالله بن حسن نائبًا عن نفسه .
6. وحظر عثمان نائبًا عن نفسه وحظر سليمان بن ابراهيم الملقب .
7. العسكر [3] نائبًا عن غالية ابنت حسن المذكورة بالوكالة له منها .
8. وحضر منصور بن عبدالله بن محمد بن حماد [4] نائبًا عن زوجته فاطمة ابنت .
9. حسن المذكورة بالوكاله ايضًا وذلك بشهادة احمد بن بدر بن علي [5]
10. وقد قبلت شهادته لمعرفتي عدالته فلما حشد جميع من ذكرنا باعوا
11. ملكهم المسمى بخيس [6] حسن بن محمد في محروسة [7] المجمعة [8] مع الأرض البيضا .
12. الكاينه قبله [9] الخيس المبيع جنوبًا عنها التليل [10] وشمال عنها وقبله الوادي [11].
13. من عقيل بن عبدالله بن بدر [12] بثمن مبلغه اثنين وتسعين احمر زرره [13]
14. كل ذكر باع نصيبه بعد الحساب بقسطه من النقد المذكور وكذلك
15. باع عثمان نصيب أخيه ناصر وكذلك وكلا [وكلاء] النسا [النساء] المذكورين بيعًا
16. صحيحًا وقبضوا الثمن المذكور مجلس العقد قبضًا مبريًا لذمة المشتري
17. والمزبور بحقوقه من طرق وقد ذكروا الطريق على حبس [14] الطويلعه [15] من
18. الخيس إلى ان يدخل الدوير [16] وله من الدويره ما دخل في خيسه وقد شرطوا
19. له عند العقد نصف الما [الماء] من جميع ابارهم المعيذريه [17] والطويلعه و
20. البديع ومبنى كل حق داخل او خارج والمبيع المذكور معلوم
21. مشهور بمكانه شهره كافيه عن التحديد لكن نحده احتياطا فحده شمالا
22. مشترا عقيل من محمد بن ناصر [19] وقبله وجنوبا الوادي فانبرم البيع
23. بشروطه المعتبرة له شرعًا الملزمة له حكمًا بينهم بالإيجاب والقبول
24. بعد البلوغ والرشد على الطوع والصحة والرضا وجواز التصرف
25. والمعرفة بما عقدا عليه ثمنًا ومثمنًا وهو حينئذ ملكهم فصار بيعًا
26. صحيحا شرعيًا لازمًا مرضيًا فصلًا لا ثنيًا فيه ولا خيار مشتملًا على
27. جميع شروط الصحة الشرعية جاريًا على قانون الشرع وجادته النقية
28. سالمًا من شوايب البطلان ومفسداته الرديه فبموجب ذلك وصحته
29. ولزومه شرعًا لم يبق للباعة المذكورين ولا لمن ياتي من جهتهم في العقار
30. المزبور حق ولا مستحق ولا دعوى ولا طلبه بوجه من الوجوه الشرعية
31. والفرعية بل هو ملكًا خالصًا وحقًا لازمًا للمشتري المذكور ولمن يأتي من
32. جهته حكمًا كالميراث يتصرف فيه بما شاء متى شاء كيف شاء شهد بجميع ذلك
33. الرجل الورع التقي محمد بن عبدالله ابانمي [20] ومقحم بن ابراهيم بن بدر [21] وكتب
34. شهادتهما بأمرهما بعد طلبهما ممن له ذلك وأثبتها وحكم وألزم بموجبها
35. راجي عفو ربه الكريم العلي الفقير إلى الله تعالى عبدالله بن احمد بن محمد بن سحيم [22]
36. الحنبلي [23] عفا الله عنهم بمنه وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم وأنا يا كاتب هذه الوثيقة
37. اشهد بما وضعت به خطي تاريخ ثاني المحرم سنه 1163 ثلاث وستين
38. وماية بعد الالف من هجرة سيد المرسلين وإمام المتقين وقايد الغر المحجلين صلى الله
39. عليه وسلم ما اعتقب الليل والنهار وقصد السيل القرار آمين”
أسس الوثيقة:
الموضوع: عقد بيع.
البائع: ورثه حسن بن محمد بن حماد شبانة وورثه ناصر بن حسن بن شبانة.
المشتري: عقيل بن عبدالله بن بدر.
العقار المباع: نخيل وأراض زراعية.
القيمة: 92 أحمر زرره.
المكان: المجمعة.
الشهود: أحمد بن بدر بن علي، محمد بن عبدالله أبانمي، مقحم بن إبراهيم بن بدر.
الكاتب: عبدالله بن أحمد بن محمد بن سحيم.
التاريخ: 1163/1/25هـ.
التحقيق :
[1] حسن بن محمد بن حماد بن شبانة:
من آل شبانة من الوهبة من تميم كان مقر أجداد هذه الأسرة في بلدة (أشيقر) قاعدة إقليم الوشم الأولى ثم نزح أغلبهم إلى المجمعة في بداية الاستيطان لا العمران، كون عمران المجمعة في سنة (820هـ) أو بعدها بقليل أما الاستيطان فإنه لبعض الأسر في المجمعة يعود للقرنين العاشر والحادي عشر الهجريين وهو ما يتضح من تسلسل أنساب وتواريخ ذكر هذه الأسر في الوثائق.
أما علماء وقضاة وكتاب أسرة آل شبانة فلا حصر لهم ولا عدد نذكر منهم:
1. أحمد بن محمد بن شبانة (من علماء القرن الثاني عشر الهجري).
2. عثمان بن عبدالله بن شبانة.
3. حماد بن محمد بن شبانة (ت 1171هـ).
4. حمد بن شبانة بن محمد بن شبانة.
5. محمد بن حسن بن شبانة. (6)
6. حمد بن عثمان بن عبدالله بن شبانة (1208هـ).
7. محمد بن عثمان بن عبدالله بن شبانة (قاضي المجمعة زمن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود والإمام سعود بن عبدالعزيز) وكان موجودًا سنة 1212هـ
8. عبدالجبار بن أحمد بن شبانة (وهو جد أسرة العبدالجبار في المجمعة).
9. حمد بن عبدالجبار بن حمد بن شبانة.
10. عثمان بن عبدالجبار بن أحمد بن شبانة (قاضي المجمعة ت 1242هـ).
11. عبدالعزيز بن عثمان بن عبدالجبار بن شبانة (قاضي المجمعة ت 1273هـ).
12- عبدالعزيز بن حمد بن شبانة (من الكتاب القدامى في المجمعة).
[2] أخيه: تكررت من الكاتب سهوًا.
[3] سليمان بن إبراهيم الملقب العسكر: هو سليمان بن إبراهيم بن بدر بن محمد من آل بدر من الجلاس من عنزه ، أحد رؤساء المجمعة وأعيانها في القرن الثاني عشر الهجري، كما أنه أصبح رئيسًا لأسرة آل بدر أهل المجمعة (7) ، وذلك بعد وفاة أبيه إبراهيم رحمه الله، ولقب (العسكر) جاء إليه (وفي رواية لأبيه إبراهيم) لأنه عندما كان يتنقل من مكان لآخر يصحبه عدد كبير من أفراد أسرته وأبناء عمه في شكل منتظم متوشحين سيوفهم وأسلحتهم فأطلق عليهم (العسكر)، وكان هذا اللقب عامًا على آل بدر أهل المجمعة، ثم استقل به سليمان المذكور. ولسليمان من الأبناء (حمد وعبدالله وعثمان ومحمد) وفيهم الإمارة والرئاسة في بلد المجمعة.
[4] منصور بن عبدالله بن محمد بن حماد: من آل شبانة وهو ابن أخ حسن بن محمد بن حماد بن شبانة المذكور في العقد.
[5] أحمد بن بدر بن علي: من أسرة آل بدر أهل المجمعة ولم أعثر له على ترجمة.
[6] بخيس: الخيس هي صغار النخيل المغروسة وصار هذا الاسم يطلق على مزارع النخيل المعروف غارسها فتنسب إليه كما ذكرنا هنا (خيس حسن) ومثل ذلك اخيس عثيمين) في أشيقر قديمًا. وفي اللغة: الخيس بالكسر: الشجر الملتف أو ما كان حلفاء وقصبًا (8) قال في لسان العرب: الخيس بالكسر والخيسة المجتمع من كل الشجر وقال مرة: هو الملتف في العصب والأشاء والنخل هذا تعبير أبي حنيفة. وقيل لا يكون خيسًا تكون فيه حَلفاء. والخيس منبت الظرفاء وأنواع الشجر. أبو عبيدة: والخيس ما تجمع في أصول النخلة مع الأرض (9) ولعل إطلاق ذلك على صغار النخيل نظرًا لالتفافها حول بعض وتقارب المسافة بينها، حيث كان المزارعون القدامى يقربون المسافة لتسهيل عملية السقي والصرام
[7] محروسة: يراد بها (الدعاء بأن يحرسها الله من كل سوء) ، وهي من عادات الكتّاب القدامى عند ذكر بلاد عزيزة عليهم .
[8] المجمعة: هي عاصمة بلدان سدير تقع في الشمال الشرقي من الإقليم على دائرة عرض 26 درجة وخط طول ٤٥ درجة. وتحتل موقعًا حساسًا من ناحية الطرق البرية التي تربط بين وسط نجد وشمال الجزيرة العربية الشرقي. تأسست على يد (عبدالله الشمري)، حيث إنه أول من بدأ في العمران وحفر الآبار بها ثم قدمت عليه أسر من عدة قبائل، وكانت تسمى قديمًا (منيخ) ، أما تاريخ عمرانها فقد حصل خلاف بين الباحثين فمنهم من يقول إنه في سنة (820هـ) وهو المشهور، ومنهم من قال إن عمرانها كان في سنة (920هـ) وحجتهم تسلسل أنساب بعض المشاهير من أهلها وقولهم لكل قرن ثلاثة أجيال وهذا القول وإن كان فيه شيء من الصحة إلا أنه يفتقد إلى الدليل، وهناك أمر يخفى على من قال به وهو أن القدماء قد يحصل في تسلسل أنسابهم اختصار مقصود وغير مقصود. وكذلك تقديم أو تأخير لقلة التدوين والكتابة فيهم. كما أن أعمارهم أطول مما بني عليه الباحثون ويصدف أن الرجل يموت قبل جده أو أبيه بزمن طويل ويكون له أبناء وأحفاد معاصرين لأبيه أو جده، وبعضهم لا يعيش له أبناء إلا بعد كبر سنه.
ولعل من البراهين القوية الحجة وجود أحداث وقعت في المجمعة قبل سنة (920هـ) ما يؤكد أنها عمرت في (820هـ) أو بعدها بقليل، ومن هذه الأحداث ما ذكره عبدالله ابن محمد بن بسام المتوفى في عنيزة سنة (1346هـ)، في تاريخه المسمى (تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق) ، حيث قال : “ثم دخلت سنة 897 سبع وتسعين وثمانمائة، في هذه السنة اشتد القحط والغلاء في نجد وفيها وقع اختلاف بين أهل المجمعة وأهل حرمة ومشى بعضهم على بعض وحصل بينهم رمي في البنادق ((10 من بعيد وأصيب من أهل المجمعة ثلاثة رجال، ومن أهل حرمة اثنان ودامت الفتنة بينهم في هذه السنة وجاء من أهل التويم نحو خمسين رجلًا نجدةً لأهل حرمة ووقع بينهم مقاتلات صوب فيها رجال الفريقين ومات من أهل المجمعة خمسة رجال ومن أهل حرمة ثلاثة رجال”
وقال بعد ذلك : “ثم دخلت سنة 898 ثمان وتسعين وثمانمائة في هذه السنة تصالحوا أهل المجمعة هم وأهل حرمة وتقاصوا والتزم أهل حرمة بالزايد عندهم من الديات لأهل المجمعة وسكنت الفتنة”.
من هذا الكلام لا أعتقد أن هناك خلاف عليه فهو من مصدر موثوق به ولكن ربما أن عمران المجمعة بعد سنة (820هـ) وقبل سنة (920هـ) وهو قول منصف لن أراد الحساب بعدد الأجيال وغيره.
فائدة مهمة :
أورد إبراهيم بن صالح بن عيسى (127هـ – 1343هـ) ، في تاريخه المطبوع سنة (1386هـ) نبذة عن عمران المجمعة وذكر أسماء بعض الأسر المشهورة التي قدمت إليها في بداية تأسيسها وابن عيسى – رحمه الله – نقل بعض ما سيأتي من تاريخ حمد بن محمد بن لعبون المتوفى سنة 1260هـ تقريبا حيث قال: “فأتاهم جد التواجر المعروفين وهو جباره من عنزة (ووجدت في بعض التواريخ أن التواجر من بني وهب من النوبطات من عنزه) وجد آل بدر وهو من آل إجلاس من عنزة وجد ال سحيم من الحبلان من عنزه وجد الثماري من زعب وغيرهم …” (11)
وقد وقفت على ورقات (12) بخط الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي المتوفى في عنيزة سنة (1376هـ) – رحمه الله – وبها نبذة عن عمران المجمعة ذكر ابن سعدي أنه نقلها من خط الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى والذي أشار أنه نقل مضمونها ونصها من تاريخ حمد بن لعبون وفي هذه النبذة زيادة واختلاف بيّن على ما ذكر في تاريخ ابن عيسى المطبوع، وذلك في الكلام عن الأسر التي قدمت المجمعة حيث قال في سرده لأسماء الأسر المذكورة ما نصه: “فأتاهم جد التواجر وهو من جباره وجد آل بدر وهو من آل إجلاس وجد الثماري وهو من زعب وجد آل لقمان وجد آل حسن وآل سحيم وغيرهم …”
ومن الكلام الأخير استفدنا أن هناك أسرتين قدمتا إلى المجمعة في بداية عمرانها لم تذكرا في كلام ابن عيسى السابق وهما:
1. أسرة آل لقمان من (عنزة) والتي من ذريتها اليوم أسر: الحقيل واليوسف والعولة والعريفج في المجمعة.
2. أسرة آل حسن وهي من (تميم) انتقلت قديمًا من المجمعة إلى بلدة حرمة المجاورة. وبعد مقابلة ما نقله الشيخ عبدالرحمن بن سعدي – رحمه الله – على مسودات الشيخ إبراهيم بن عيسى – رحمه الله – وجدتها مطابقة لما نقل عنه .
[9] قِبله: بكسر (القاف) يقصد بها جهة (الغرب) في منطقة نجد وشرق الجزيرة العربية مأخوذة من قبلة الصلاة لأن أهل نجد والشرق يتجهون في صلاتهم غربًا.
[10] التليل: تصغير (تل) يقصد فيه المكان المرتفع نسبيًا عن مستوى الأرض الطبيعي ويراد به أحيانا الركام الترابي الذي يضعه المزارع في الشعاب والأودية لإيقاف جريان مياه الأمطار أو تحديد مسارها لأرضه (كما ورد في بعض الوثائق). قال الثعالبي في “فقه اللغة” عن صفة الأرض والجبال: (فإن كان طولها في السماء مثل البيت، وعرض ظهرها نحو عشرة أذرع فهو التل). (13) وقال في “القاموس المحيط” : (التل من التراب معروف، والكومة من الرمل الرابية الجمع تلال) (14).
[11] الوادي : (شعيب) أو وادي العلاوه الذي يتجه من الغرب إلى الشرق محاذيًا للشمال الغربي من المجمعة القديمة وهو يتفرع من وادي المشقر حيث أنه أحد روافده وأكبرها ويمر بعدة (ثغبان ومدارج) قديمة وكل منطقة يمر بها يسمى باسمها مثل ثغب الباهلية وثغب الجريف وأبا الجعلان وكذلك مدارج قراشة وأم شلال وغيرها. أما الجهة المذكورة في العقد فيطلق عليها (ثغب سعّيد) وهو يفصل (العلاوه) الحي والمزارع الواقعة في الضفة الغربية من الوادي المذكور عن المجمعة القديمة حيث يبقى حائلًا دون الوصول إليها عند جريانه فيضطر بعض الناس في الماضي عبوره سباحة عند انخفاض مستوى الماء.
[12] عقيل بن عبدالله بن بدر : هو عقيل بن عبدالله بن بدر بن محمد من آل بدر من الجلاس من عنزة، والد الأمير ناصر بن عقيل الملقب (جعوان) أمير المجمعة المتوفى سنة (1206هـ) وأخيه محمد . قال الفاخري(1186- 1277هـ) في حوادث سنة (1206هـ) : ” ومات ناصر بن عقيل الملقب جعوان أمير المجمعة” (15) .
[13] أحمر زرره : عملة ذهبية بمنزلة الريال وهي من ضرب الدولة العثمانية عرف منها في نجد نوعان أحدهما ضرب في مصر والآخر ضرب في البصرة ويشار بذلك في بعض الوثائق عند التعامل بها في الماضي.
[14] الحبس : بالكسر ، ما يحد الأرض وهو عبارة عن ركام من الحجارة والتراب يرفع عن مستوى الأرض ليميزها عن أرض الغير وهناك وظيفة رئيسية للحبس وهي منع وصول مياه الأودية والأمطار للمزارع والطرق والمنازل في الماضي. قال الثعالبي في “فقه اللغة” الحبس: حجارة توضع على فوهة النهر لتمنع طغيان الماء عن ثعلب عن ابن الأعرابي (16) وفي “القاموس المحيط” قال: حجارة تبنى في مجرى الماء لتحبسه (17) .
[15] الطويلعة: مزرعة قديمة تقع في الشمال الغربي من المجمعة القديمة وتعرف قديمًا بطويلعة آل حماد وبها بئر تحمل الاسم نفسه .
[16] الدويرة : تصغير دار وهي عادة تكون وسط المزارع الكبيرة يتخذها الفلاح سكنًا مؤقتًا ليتقي بها حرارة الشمس صيفًا وبرودة الجو والأمطار شتاءً ولحفظ الثمار والحماية من الأعداء وبعضها خاص للأثل ويعرف (ببيت الأثل) وهو الشجر المعروف .
[17] المعيذرية: بئر تقع في الشمال الغربي من المجمعة القديمة وسميت المعيذرية نسبة إلى وادي المعيذر .
[18] البديع: بئر تقع شمال غرب المجمعة القديمة ويوجد عدة آبار في المجمعة تحمل هذا الاسم، إما بفتح أو شد لأحرفه.
[19] محمد بن ناصر: هو محمد بن ناصر بن حماد بن شبانة جد أسرة آل ناصر في أشيقر والمجمعة وعنيزه والمذنب.
[20] محمد بن عبدالله أبانمي: هو محمد بن عبدالله بن علي أبانمي من الوهبة من تميم وأسرة آل أبانمي لها إمارة بلدة (الرويضة) الواقعة غرب المجمعة منذ القدم قال إبراهيم بن صالح بن عيسى – رحمه الله – في ورقة عن أنساب الوهبة من تميم ما نصه: “أول من أظهر بلد الرويضة المعروفة عند الخيس هو علي أبانمي جد آل أبانمي من الوهبة انتقل إليها من الخيس هو وأولاده وسكنوها وعمروها وذلك سنة 1098هـ. وأولاده أربعة محمد وناصر وعبدالله وحمد، وقد انقطع عقب محمد فجميع آل أبانمي الذين في الرويضة والخيس والغاط من ذرية الثلاثة المذكورين وهم ناصر وعبدالله وحمد أبناء علي أبانمي” . انتهى كلام ابن عيسى. هذا وقد انتقل غالب أسرة أبانمي إلى المجمعة.
[21] مقحم بن إبراهيم بن بدر: هو جد أسرة آل مقحم العسكر في المجمعة.
[22] عبدالله بن أحمد بن محمد بن سحيم: آل سحيم من الحبلان من قبيلة عنزة وهي من الأسر التي قدمت المجمعة في بداية عمرانها برز من هذه الأسرة علماء وقضاة، المعلومات تكاد تكون نادرة الوجود عن سبب انتقال بعض أفرادها من المجمعة إلى الرياض والزبير وأيضا عن توليهم القضاء في البلدان وغير ذلك من أحوالهم رغم وجود الكتابة والعلم فيهم شأنهم شأن كثير من العلماء في إقليم سدير. والشيخ عبدالله بن سحيم -رحمه الله – لم أجد له في كتب القدامى سوى ذكر وفاته في تاريخ الفاخري وتاريخ ابن بشر كما سيأتي في آخر الترجمة ، وبعض التواريخ وكتب التراجم القديمة والحديثة وهي:
– تاريخ ابن غنام: أورد حسين بن غنام المتوفى سنة 1225هـ في تاريخه رسائل من الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى عبدالله بن سحيم جاءت جوابية على رسائل كان كتبها ابن سحيم يستعلم فيها عن بعض المسائل والأمور التي جرت وسنورد مقتطفات من توجيهات ومخاطبات الشيخ محمد بن عبدالوهاب المباشرة إلى ابن سحيم في آخر الترجمة .
– السحب الوابلة لابن حميد: ذكره ابن حميد (1236- 1295هـ) في ترجمة الشيخ ناصر بن سليمان بن سحيم فقال: “ومن أقاربه عبدالله بن أحمد بن محمد بن سحيم . كتب كتبًا كثيرة منها منظومة ابن عبدالقوي في الفقه مؤرخ سنة 1173هـ وخطه حسن”. (18)
– علماء نجد لابن بسام: نورد جزءًا من ترجمته للشيخ ابن سحيم حيث قال : “ولد في المجمعة – عاصمة إقليم سدير – وقرأ على علماء سدير وغيرهم، وصارت هوايته ورغبته نسخ الكتب لنفسه، فجمع من ذلك مكتبة كبيرة غالبها بخط يده حتى لقب (الكاتب) وقد رأيت له حكمًا مؤرخًا في المحرم عام 1163هـ وقد صار عمدة لمقاطعة سدير في التدريس والافتاء والتعليم وكتابة الوثائق، حتى اشتهر أمره وصار إمامًا في مسجد الحارّة – بتشديد الراء – في المجمعة”. (19)
وأورد البسام خلافًا عن تولي ابن سحيم القضاء في المجمعة ثم أكده بوجود الحكم المؤرخ سنة 1163هـ، وأنا بهذه الوثيقة المثبتة الظاهرة من خط وكلام الشيخ عبدالله بن سحيم – رحمه الله – أوافق البسام أنه تولى القضاء في المجمعة.
– روضة الناظرين للقاضي: كذلك نورد أهم ما ذكر في ترجمته لابن سحيم، حيث قال: “تولى قضاء المجمعة والإفتاء وإمامة الجامع وخطابته والتدريس فيه عام إحدى وستين من الهجرة وسدد في أقضيته ولا يزال ذكره عطرًا بينهم” (20) ومن كلام القاضي يستفاد أن ولاية ابن سحيم لقضاء المجمعة كانت في سنة 1161هـ وهو مصدر وحيد لذلك ومهما يكن من خلاف عن تولي الشيخ عبدالله بن سحيم القضاء فإن الناظر لهذه الوثيقة يدرك ما لكاتبها من مكانة علمية رفيعة تبقى شاهدة له بعد مرور أكثر من قرنين ونصف من الزمان على كتابتها .
معاصروه من علماء المجمعة:
عاصر الشيخ عبدالله بن سحيم عددا من العلماء الكبار في المجمعة وكان من أبرزهم:
- عثمان بن عبدالله بن شبانة.
- عبدالقادر العديلي.
– أحمد بن محمد التويجري المتوفي سنة 1194هـ
– حمد بن عثمان بن شبانة المتوفى سنة 1208هـ
– محمد بن عثمان بن شبانة (كان موجودا في سنة 1212هـ).
وهؤلاء العلماء تولوا القضاء في المجمعة خلال فترات متفاوتة ويصدف أن يكون الاثنان منهم في زمن واحد كقاضٍ رئيس ومساعد له .
العلماء من أسرته:
ذكر البسام في ترجمة سليمان بن محمد بن سحيم (21) أربعة علماء من آل سحيم ومن سلسلة واحدة في النسب أب وابن وحفيد وابن حفيد وهم:
– أحمد بن علي بن سحيم.
– محمد أحمد بن علي بن سحيم.
– سليمان بن محمد بن أحمد بن سحيم (1130 – 1181هـ).
– ناصر بن سليمان بن محمد بن سحيم (1177-1226هـ).
أما الأول والثاني فلم يعرف عنهما شيء حتى الآن.
علاقة المجمعة بالدرعية في زمنه:
كان لقيام الدعوة وانتشارها بدءًا من الدرعية وبلدان العارض نشاط حربي أثّر على أوضاع بلدان نجد وما جاورها سياسيًا ودينيًا مما أدى إلى انقسام داخلي للمدن والقرى ما بين مؤيد ومعارض وكان للمجمعة نصيب من ذلك؛ إلا أنني لم أقف على ما يفيد عن الموقف الحقيقي لها في كتب التاريخ خلال الفترة من 1157 إلى 1175هـ، وهي سنة وفاة الشيخ عبدالله بن سحيم، ومن هي الشخصيات التي كانت وراء هذا الموقف فلم تذكر كتب التاريخ والوثائق سوى أربعة مواقف أعتقد أنه كان لها تأثير على علاقة المجمعة بالدرعية في تلك الفترة وهي:
1. قدوم الشيخ سليمان بن عبدالوهاب إلى المجمعة بعد فتح حريملاء على يد عبدالعزيز ابن محمد بن سعود سنة 1168هـ وكان سليمان المذكور مخالفا لأخيه الشيخ محمد. أيضًا وقوف ثلاثة من علماء المجمعة معه واستضافته طيلة مدة بقائه بها وهم :
- محمد بن عثمان بن شبانة.
– حمد بن عثمان بن شبانة.
– أحمد بن محمد التويجري.
2. هروب مبارك بن عدوان أمير حرملاء بعد عزله عنها وفشله في ضبط البلد مرة أخرى وتفرق الأنصار عنه سنة 1171هـ وقدومه إلى المجمعة ومحاولته العودة إلى حريملاء بعد الاستنصار بأهل حرمة وبعض أهل الوشم وحصارهم لبلدة (رغبة) في أواخر 1171هـ.
2. وجود الشيخ عبدالله المويس في (حرمة) والذي كان مجاهرًا بعداوة الدعوة وتعاطف بعض علماء المجمعة معه .
3. وجود الشيخ عبدالله المويس في (حرمة) والذي كان مجاهراً بعداوة الدعوة وتعاطف بعض علماء المجمعة معه .
4. استقلالية أميرها (22) وعدم خضوعه مسبقًا لحاكم عام وشعوره بفقدان شي، من الخاصيّة والميزة إن هو تجاوب مع الدعوة .
وهذه المواقف كانت عاملًا رئيسيًا وراء غزو الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود المجمعة سنة 1173هـ وحصول معارك ومناوشات بينهم تتابعت بعدها غزوات متكررة بين الفريقين .
آثار ابن سحيم في كتب العقيدة:
لعل من أهم المصادر التي تعطي صورة مشرفة عن سيرة الشيخ عبدالله – رحمه الله – وحرصه على إنكار الخرافات التي حدثت في زمنه ما نراه في رسالته للشيخ عبدالوهاب بن سليمان بن علي – والد الشيخ محمد بن عبدالوهاب – يسأله فيها عما حدث من بعض الجهلة والفسقة من أفعال منكرة ويطلب جوابًا عليها وهذا نص الرسالة وجوابها كما وردت في كتاب (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) (23) .
“بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله بن أحمد بن سحيم إلى جناب الأخ في الله الشيخ المكرم عبدالوهاب ابن الشيخ سليمان بن علي سلمه الله تعالى.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(وبعد) فالمرجو من إحسانكم تكتب لنا جوابًا عن أحوال هؤلاء الفقراء المنكرة من أخذهم النار وضربهم أنفسهم بالحديد ونطوطهم من السطوح ولعبهم بذكر الله حتى أنهم يفعلونه كالنبح والمسئول من جنابك أن تطيل لي الكلام في ذلك والسلام” .
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وما ذكرت من أمر هؤلاء الشياطين الفسقة الذين يسمون أنفسهم الفقراء فاعلم يا أخي أن هؤلاء شياطين وأفعالهم منكرة بل والعياذ بالله بعض أفعالهم كفر ولا شك ولا ريب عند من له أدنى عقل ومسكة في الدين أنهم منافقون أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من أفعالهم. وأما دخولهم النار ونطوطهم من السطوح وضربهم أنفسهم بالحديد فاعلم أن منشأ هذه البدعة من المجوس والصابئين الكافرين بالله ورسوله وقوم من المجوس يسمون الزط يدخلون النار ولا يحسون بها ويضربون أبدانهم بالحديد ويحمون الحديد حتى يحمي ويضعونه على أبدانهم ولا يحسون بذلك، ومن هؤلاء من يطير في الهواء ومنهم من يركز الرمح ويرقى عليه ويجلس على الحربة ويحدث الناس ولا يحس بذلك (ومنهم) من يمضي له عشرة أيام وأقل وأكثر ولا يأكل شيئًا من الطعام (ومنهم) من يخاطب من الهوى يسمعون الحس ولا يرون الشخص (ومنهم) من يظهر له الكشف عن أحوال بعض الناس الخفية ويخبر بذلك وكل هذه الشعبذة من المنكرات وأحوال شيطانية .
وأما ضربهم بالسلاح ولا يحسون بذلك فاعلم ياأخي أنهم ليسوا بأفضل من الأنبياء فإن أنبياء بني أسرانيل قتلهم فساقهم (منهم) زكريا علبه السلام نشر بالمنشار وزهقت نفسه ويحيى بن زكريا قتل وقطع رأسه والنبي صلى الله عليه وسلم شج رأسه وكسرت رباعيته ولا يخفاكم من قتل من أصحابه. افترون هذا الفاسق الزنيم الذي يسمونه الذيخ عنيد واضرابه من الفاسقين أفضل من الأنبياء ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل يشك عاقل يعز علبه دينه في أن هذه أمور شيطانية فإن أحدهم إذا لبسه الشيطان فعل ما أراد من دخول النار والنطوط من السطوح والأخبار بالمغيبات. وسلم لي على الشيخ عثمان بن عبدالله بن شبانة والشيخ عبدالقادر العديلي وسائر الإخوان واعلموا أن أهل حرمة واضرابهم الذين اتبعوا هذا الشيطان اتباع كل ناعق وأن من حضرهم منهم أو جادل عنهم أو قال أن لهم أشياء مستحسنة فلا يصلي خلفه ولا تقبل شهادته واعلموا أنه حرام عليكم قبول شهادتهم والصلاة خلفهم، وأما نسبة هؤلاء الشياطين الفاسقين المعلنين ذلك إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني فحاشاه من ذلك وهو من كبار العلماء ومن أولياء الله، وكتبه وتصانيفه عندنا لم يعرف أنه أمر بذلك ولا ضرب أحد عنده بدف ولا ضرب أحد نفسه عنده بدبوس أو نط من شيئ عال ولو رآهم لقاتلهم على ذلك، وقيل لنا أن صح أن شخصًا من أهل حرمة رأى في المنام أن شيطانًا على سرير يحمله شياطين وأنه قال أنا عبدالقادر وأن من تعرض لفقرائنا مات وهذا لا شك أنه من الفاسقين الكاذبين فالله الله في إنكار ذلك ياإخواني والتحذير عنهم وإنكار هذه المنكرات باليد واللسان ولو لا ضيق الورقة لذكرنا كثيرًا من كلام العلماء وإنكارهم لذلك والله سبحانه وتعالى أعلم” .
انتهى من المصدر المذكور .
موقفه من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب:
لم يتضح موقف الشيخ عبدالله بن سحيم من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – هل كان معارضًا أومؤيدًا لها إلا أن مخاطبة الشيخ محمد له في رسائله كما سيأتي تنبئ بأنه اتخذ موقفًا ذا طابع متردد.
فقد ورد في تاريخ حسين بن غنام (24) رسائل كتبها الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – إلى الشيخ عبدالله بن سحيم تأتي جوابًا على رسائل كان كتبها إليه ابن سحيم مستعلمًا عن بعض الأمور التي جرت من بعض معارضي الدعوة والذين كان أبرزهم:
1. الشيخ سليمان بن محمد بن سحيم (المتوفى سنة 1181هـ).
2. الشيخ عبدالله بن عيسى المويس (المتوفى سنة 1175هـ).
فرأيت نقل جوانب من هذه الرسائل وبالذات التي خاطب بها الشيخ محمد – رحمه الله – الشيخ عبدالله بن سحيم مخاطبة شخصية ومن خلالها نعرف ملامح من سيرة وعقيدة الشيخ عبدالله بن سحيم والمنهج الذي كان عليه عند قيام الدعوة وموقفه منها .
أ. قال ابن غنام في مقدمة الرسالة السابعة:
هذه الرسالة السابعة أرسلها الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى عبدالله بن سحيم مطوع أهل المجمعة حين سأله عن الرسالة التي كتبها سليمان بن محمد بن سحيم مطوع أهل الرياض وأرسلها إلى أهل البصرة والأحساء يشنع فيها على الشيخ ويفتري عليه أشياء لم تحدث وقصده من ذلك الاستنصار بكلامهم على إبطال ما أظهره الشيخ من بيان التوحيد وإخلاص الدعوة لله وهدم أركان الشرك وإبطال مناهج الضلال. (25)
ثم ذكر نص رسالة سليمان بن سحيم المذكورة بعدها نقل ابن غنام جواب الشيخ محمد بن عبدالوهاب لعبدالله بن سحيم وهذا أوله:
“بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبدالوهاب إلى عبدالله بن سحيم وبعد
ألفينا مكتوبك وما ذكرت فيه من ذكرك ما بلغك ولا يخفاك أن المسائل التي ذكرت أنها بلغتكم في كتاب من العارض جملتها أربع وعشرون مسألة: بعضها حق، وبعضها بهتان وكذب. وقبل الكلام فيها لابدّ من تقديم أصل، وذلك: أن أهل العلم إذا اختلفوا، والجهال إذا تنازعوا، ومثلي ومثلكم إذا اختلفنا في مسألة – هل الواجب اتباع أمر الله ورسوله وأهل العلم، أو الواجب اتباع عادة الزمان التي أدركنا الناس عليها، ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم؟ وإنما ذكرتُ هذا – ولو كان واضحًا- لأن بعض المسائل التي ذكرتَ أنا قُلتُها، لكن هي موافقة لما ذكره العلماء في كتبهم: الحنابلة وغيرهم، ولكن هي مخالفة لعادة الناس التي نشأوا عليها. فأنكرها عليَّ (من أنكرها) لأجل مخالفة العادة. وإلاَّ فقد رأوا تلك في كتبهم عيانًا وأقرُّوا بها، وشهدوا أن كلامي هو الحق. لكن أصابهم ما أصاب الذين قال الله فيهم: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)، الآية. وهذا هو ما نحن فيه بعينه. فإن الذي راسلكم هو عدو الله ابن سحيم، (26) وقد بينت ذلك له، فأقرَّ به، وعندنا كتب يده في رسائل متعددة: أن هذا هو الحق. وأقام على ذلك سنين، لكن أنكر آخر الأمر لأسباب أعظمها البغيُ (أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده”. (27)
ثم قال بعد تبيان وإيضاح:
“فإن فهمت أن كلامي هو الحق، فاعمل لنفسك، واعلم أن الأمر عظيم والخطب جسيم. فإن أشكل عليك شيئ فسفرك إلى المغرب في طلبه غير كثير. واعتبر لنفسك حيث كتبت لي فيما مضى: أن هذا هو الحق الذي لا شك فيه، لكن لا نقدر على تغيير. وتكلمت بكلام حسن؛ فلما غربلك الله بولد المويس، ولبَّس عليك، وكتب لأهل (الوشم) يستهزئ بالتوحيد، ويزعم أنه بدعة، وأنه خرج من خراسان، ويسبُّ دين الله ورسوله – لم تفطن لجهله وعظم ذنبه، وظننت أن كلامي فيه من باب الانتصار للنفس. وكلامي هذا لا يغيرك، فإن مرادي أن تفهم أن الخطب جسيم، وأن أكابر أهل العلم يتعلمون هذا ويغلطون فيه، فضلًا عنا وعن أمثالنا. فلعله إن أشكل عليك تواجهني .هذا إن عرفت أنه حق، وإن كنت – إذا نقلت لك عبارات العلماء – عرفت أني لم أفهم معناها، وأن الذين نقلت لك كلامهم أخطأوا، وأنهم خالفهم أحد من أهل العلم – فنبهني على الحق، وأرجع إليه إن شاء الله تعالى”. (28)
وقال بعد نقل كلام العلماء في بعض المسائل التي رد فيها على ادعاءات سليمان ابن سحيم وفيه توجيه لعبدالله بن سحيم:
“فهذا ما يسّر الله نقله من كلام أهل العلم على سبيل العجلة فأنت تأمله تأملًا جيدًا، واجعل تأملك لله، مستعيذًا بالله من اتباع الهوى، ولا تفعل فعلك أولًا، لما ذكرت لك أنك تتأمل كلامي وكلامه. فإن كان كلامي صحيحًا لا مجازفة فيه، وأن شاميكم لا يعرف معنى (لا إله إلا الله) ، ولا يعرف عقيدة الإمام أحمد، وعقيدة الذين ضربوه – فاعرف قدره، فهو بغيره أجهل، واعرف أن الأمر جليل، فإن كان كلامي باطلًا، ونسبتُ رجلًا من أهل العلم إلى هذه الأمور العظيمة بالكذب والبهتان، فالأمر أيضًا عظيم – فأعرضت عن ذلك كله، وكتبت لي كتابًا في شيء آخر فإن كان مرادك اتباع الهوى – أعاذنا الله منه – وأنك مع ولد المويس، كيف كان ، فاترك الجواب، فإن بعض الناس يذكرون عنك أنك صائر معه لأجل شيئ من أمور الدنيا، وإن كنت مع الحق، فلا أعذرك من تأمل كلامي هذا وكلامي الأول، وتعرضهما على كلام أهل العلم، وتحررهما تحريرًا جيدًا، ثم تتكلم بالحق” (29) .
وقال مخاطبًا عبدالله بن سحيم قبل ختم رسالته المذكورة:
“فإن كان الله أوقع في قلبك معرفة الحق والانقياد له والكفر بالطاغوت، والتبري من خالف هذه الأصول ولو كان أباك أو أخاك – فاكتب لي وبشرني؛ لأن هذا ليس مثل الخطأ في الفروع، بل ليس الجهل بهذا – فضلا عن إنكاره – مثل الزنا والسرقة، بل والله ثم والله ثم والله إن الأمر أعظم، وإن وقع في قلبك إشكال فاضرع إلى مقلب القلوب أن يهديك لدينه ودين نبيه” (30)
ب – عندما كتب عبدالله بن عيسى المويس (المتوفى سنة 1175هـ) كتابًا إلى أهل الوشم فيه كلام في العقيدة وظهر به جهل المويس وتخطيئه للعلماء وإنكاره للحق وعلى من أظهره وانتشر أمر كتاب المويس المذكور لما فيه من باطل وتبطيل وكان قد لقي قبولًا عند أهل الوشم .
كتب الشيخ عبدالله بن سحيم إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله تعالى – يطلب جوابًا وتفريق بين الحق والباطل الذي ظهر في كتاب المويس .
فكان جواب الشيخ محمد بن عبدالوهاب :
“بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد عبدالوهاب إلى عبدالله بن سحيم حفظه الله تعالى
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فقد وصل كتابك تطلب شيئًا من معنى كتاب المويس الذي أرسل لأهل الوشم وأنا أجيبك عن الكتاب جملة فإن كان الصواب فيه فنبهني وأرجع إلى الحق وإن كان الأمر كما ذكرت لك من مجازفة بل أنا مقتصر فالواجب على المؤمن أن يدور مع الحق حيث دار .
وذلك أن كتابه مشتمل على الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم، الأول : علم الأسماء، والصفات، الذي يسمى علم أصول الدين، ويسمى أيضًا العقائد. والثاني: الكلام على التوحيد والشرك والثالث: الاقتداء بأهل العلم، واتباع الأدلة، وترك ذلك”. (31)
ثم بين الشيخ محمد – رحمه الله – وفرق بين الحق والباطل جملة وتفصيلًا في هذه الأمور الثلاثة التي ذكرت .
وكان من جملة كلامه وتبيانه في رسالته توجيه لابن سحيم بعرض التصحيح على المويس ومناقشته في أمره وكتابة جوابه أو رفع ما يقول إليه. ويذكر الشيخ محمد – رحمه الله – لابن سحيم أن ما حصل من المويس وجوابه عليه يعتبر فيه فائدة تعادل دراسة شهرين أو ثلاثة في علم العقائد وهذا نص كلام الشيخ محمد في الرسالة :
“هذا ما تيسر كتابته عجلًا على السراج في الليل، والمأمول فيك أنك تنظر فيها بعين البصيرة، وتتأمل هذا الأمر، وأعرض هذا عليه، وأطلب منه الجواب عن كل كلمة من هذا، فإن أجابك بشيئ فاكتبه وإن عرفته باطلًا، وإلا فراجعني فيه أبينه لك، ولا تستحقر هذا الأمر، فإن حرصت عليه جدًا عرَّفك عقيدة الإمام أحمد وأهل السنة وعقيدة المبتدعة؛ وصارت هذه الواقعة أنفع لك من القراءة في علم العقائد شهرين أو ثلاثة :بسبب أن الخطأ والاختلاف يما يوضح الحق ويبين الخطأ فيه”. (32)
وقال في آخر رسالته لابن سحيم :
“وهذا الكتاب لا تكتمه عن صاحب الكتاب، بل اعرضه عليه، فإن تاب وأقرَّ ورجع إلى الله فعسى، وإن زعم أن له حجة ولو في كلمة واحدة، أو أن في كلامي مجازفة – فاطلب الدليل، فإن أشكل شيئ عليك فراجعني فيه حتى تعرف كلامي وكلامه. نسأل الله أن يهدينا وإياك والمسلمين إلى ما يحبه ويرضاه وأنت لا تلمني على هذا الكلام، تراني استدعيته أولًا بالملاطفة وصبرت منه على أشياء عظيمة، والآن أشرفت منه على أمور ما ظننتها لا في عقله ولا في دينه: منها أنه كاتب إلى أهل الأحساء يعاونهم على سبِّ دين الله ورسوله”. (33)
ومن كلام الشيخ محمد – رحمه الله – هذا نرى حرصه على إقناع وهداية المويس وترك المجال له لإبداء ما لديه من حجج إن وجدت ويستدل على ثقة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – في علمه ورأيه السليم من التشكيك والتنقيص وأيضًا يلاحظ حرصه على الشيخ عبدالله بن سحيم من أن يقع في مسار عبدالله المويس المخالف والمجاحف للحق وليس هناك عذر لموقف المويس وغيره من أهل زمانه تجاه دعوة الشيغ محمد – رحمه الله -سوى المرض القديم المزمن والكامن في الجسد وهو الحسد – أعاذنا الله منه – .
أما عبدالله بن سحيم فإن بدى منه موقف أول أمره تجاه الدعوة. كما يلاحظ من الكلام الموجه إليه إلا أنه التزم الحياد ولم يجاهر مما جاهر به غيره حتى وفاته – رحمه الله – ويظهر من مراسلات الشيخ له وتوجيهاته إليه أنه على اقتناع بحقيقة الأمر.
وفاة ابن سحيم:
توفي الشيخ عبدالله في بلده المجمعة سنة (1175هـ) وقد أرَّخ وفاته الفاخري في تاريخه فقال:
“وفي سنة خمس وسبعين وماية وألف وقع حيا كثير ورجعان وأصاب الناس وباء يسمى (أبو دمغه) مات فيه ناس كثير منهم عبدالله المويس قاضي حرمة ومحمد بن عباد وحماد بن شبانه وعبدالله بن سحيم وإبراهيم المنقور وغيرهم وحصل دبا أكل الثمار”. (34)
كما أرَّخ وفاته ابن بشر في تاريخه في حوادث سنة (1175هـ) فقال:
“وفيها وقع حيا كثير وسيول ورجعان وحدث في البلدان بأمر الله وباء شديد يسمى أبو دمغه مات فيه قاضي أهل بلد حرمة عبدالله المويس ومات في المجمعة الفقيه حماد بن محمد بن شبانه وعبدالله بن سحيم الكاتب المشهور والقاضي في سدير إبراهيم بن حمد المنقور وجاء البلدان دباء كثير أكل الثمار”. (35)
[23] الحنبلي: قوله الحنبلي نسبة إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – . وهو مذهب غالب العلماء ني نجد إن لم يكن كلهم.
(شواهد من الرحلة)
وفي الختام عدنا من رحلتنا بهذه المشاهدات واللقطات:
1. هذه الوثيقة نقل جوانب منها العلامة والمؤرخ الشهير (إبراهيم بن صالح بن عيسى – رحمه الله – 1270 – 1343هـ) الذي كان مغرما بنسخ الوثائق والكتب التاريخية، فلا يكاد الباحث في العراق والكويت والأحساء أن يقف على وثائق وكتب عن تاريخ وأنساب أهل نجد إلا ويجد الشيخ (ابن عيسى) قد سبقه إليها بتعليق في الهامش أو نقل لمضمون وقد استفاد – رحمه الله – من ذلك وأفاد، فلولا حرصه واجتهاده في النسخ والنقل لضاع كثير من علم التاريخ والأنساب في نجد.
2. أشار إلى هذه الوثيقة الشيخ عبدالله البسام في (علماء نجد خلال ستة قرون)- ثمانية قرون – الآن – عند ترجمته للشيخ عبدالله بن سحيم ولا أدري هل هي التي نقل المؤرخ ابن عيسى أم نظير لها؟
3. أصل الوثيقة يعود لمكتبة (36) الشيخ (حمد بن ناصر بن حمد بن سليمان بن إبراهيم العسكر) (36) المتوفى في رحلته للحج سنة 1355هـ – رحمه الله – .
ملحق:
صورة ونص الوثيقة التي اختصرها الشيخ إبراهيم بن عيسى – رحمه الله – من وثيقة الشيخ عبدالله بن سحيم الأصلية، مما يؤكد وقوفه عليها في إحدى زياراته للمجمعة، لجمع المعلومات التي تتعلق في التاريخ والأنساب كعادته في رحلاته العلمية، لاكتشاف ما تحويه الوثائق الشرعية وغيرها من معلومات ومصادر، والتي كانت مرجعًا رئيسيًا لكتاباته ، في الأنساب والتاريخ، ولو جمعت الأوراق التي دونها لجاءت مجلدات ضخمة في هذا المجال، ولكن تفرقها لدى الناس وإهمال البعض لها وحساسيتها في بعض الأحيان حال دون ذلك.
النص:
موجبه هو أن أولاد حسن بن محمد بن حماد بن شبانة وهم إذ ذاك عبدالله وعثمان وغالية وفاطمة بعد وفاة أخيهم ناصر وإرثهم باقي تركته فحضر عبدالله بن حسن نايبا عن نفسه وعثمان نايبا عن نفسه وسليمان بن إبراهيم الملقب العسكر نايباً عن غالية ابنت حسن بالوكالة له منها وحضر منصور بن عبدالله بن محمد بن حماد نايباً عن زوجته فاطمه بنت حسن بالوكالة له منها بشهادة أحمد بن بدر بن علي فلا حشد هؤلاء باعوا ملكهم المسمى بخيس حسن بن محمد بن حماد بن شبانه في المجمعة من عقيل بن عبدالله بن بدر بثمن قدره اثنين وتسعين أحمر مقبوضة في مجلس العقد بالتمام وشرطوا له نصف الماء من جميع آبارهم المعيذرية والطويلعة والبديع شهد على ذلك محمد بن عبدالله أبانمي ومقحم بن إبراهيم بن بدر وشهد به وكتبه وأثبته عبدالله بن أحمد بن محمد بن عبدالله آل سحيم الحنبلي بتاريخ ثاني المحرم سنه 1163 ومن خطه نقلت
الوثيقة:
خاتمة:
بهذه الوثيقة التاريخية استطعنا الوقوف على حقبة مهمة من تاريخ الكتابات الشرعية في بلد المجمعة خاصة ومنطقة نجد عامة لما تحلت به وتجلت في كشف الستار عن أحوال وأسماء وأماكن مضى عليها أكثر من قرنين ونصف من الزمان.
* * *
من مصادر ومراجع البحث:
بالإضافة إلى المصادر التي أشرت إليها في هوامش البحث كان هناك مراجع غير مطبوعة وأيضًا مصادر خاصة لم تذكر وهي:
1. الوثائق الخاصة (عقود ووصايا قديمة) .
2. أوراق من مكتبة الشيخ حمد بن ناصر العسكر (37) – رحمه الله – (رسائل ومدونات).
3. أوراق عن أنساب أسر من نجد بقلم الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى – رحمه الله –
4. شجرة أسرة العسكر. إعداد: عبدالله بن حمد العسكر. (مخطوطة)
5. أقلام من الماضي (مجموعة وثائق محققة) دراسة وتحقيق: عبدالله بن حمد العسكر. (مخطوط) .
الهوامش:
(1) باحث في تاريخ نجد والجزيرة العربية.
– له اهتمام بالوثائق والمخطوطات، ويعمل على نشر وتحقيق عدد من البحوث في هذه الموضوعات.
– له مشاركات في الصحف.
(2) ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة للأستاذ الطاهر أحمد الزاوي. الطبعة الثانية 1390هـ (1/704) .
(3) تاريخ الفاخري (الأخبار النجدية)؛ تحقيق د. عبدالله يوسف الشبل، من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود، (ص 82) .
(4) عنوان المجد في تاريخ نجد ؛ تحقيق عبدالرحمن آل الشيخ 0-ط4 0- من مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز، 1403هـ (2/342) .
(5) نبهني بذلك الدكتور سهيل صابان – حفظه الله – وللاستزادة عن معنى كلمة (زر) بالفارسية انظر: “المعجم الفارسي الكبير” د. إبراهيم الدسوقي شتا، طبع سنة ١٤١٢ه. مكتبة مدبولي بالقاهرة.
(6) ورد في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) نص رسالة موجهة من محمد بن حسن بن شبانة المذكور إلى الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن محمد القصير قاضي أشيقر المتوفى سنة (1139هـ) ، يسأله فيها عن بعض المسائل الفقهية والرسالة مذيلة بجواب الشيخ أحمد – رحمه الله – انظر: ص 755 من الجز، الأول في المصدر المذكور.
(7) يراد بالبدر أهل المجمعة: أسرة العسكر وأسرة الصالح وفروعهما وهاتان الأسرتان تنحدران من جد واحد ثم يلتقون مع آل بدر أهل الزلفي في جدهم الأول وللبدر أهل الزلفي فروع مستقلة أما جد البدر الأول فهو الذي قدم للمجمعة في بداية عمرانها في القرن التاسع الهجري ثم تفرعت منه الأسر المذكورة.
(8) ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة للأستاذ/ الطاهر أحمد الزاوي. الجزء الثاني (ص134) الطبعة الثانية. 1390هـ.
(9) لسان العرب. محمد بن مكرم ابن منظور. ط1 ، دار صادر سنة 1997م مادة خيس ص 373 من الجزء الثاني.
(10) ذكر البنادق هنا أضعف الخبر التاريخي لدى بعض الباحثين، مستدلين أن البنادق لم تكن اخترعت في ذلك الوقت، أو أنها لم تصل إلى بلاد العرب، ففي هذا الاستدلال ضعف أيضأ وعجب لأنه من المحتمل أن المراد بالبنادق ذلك الوقت، غير البنادق بمفهومها اليوم، وهي البنادق النارية (الاتوماتيكية) . والتي يزعم أن العرب عرفتها من الغرب، كأن العرب لم تمر بهم حضارة علمية، أو صناعية للأبد، وهذا مستبعد، لأنه ليس من المعقول أن يستمر العرب إلى القرن التاسع أو العاشر للهجرة، دون تطوير وتجديد للسلاح، وإن كان بسيطًا.
((11 إبراهيم بن صالح بن عيسى : تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد الطبعة الأولى 1386هـ. منشورات دار اليمامة (ص33).
(12) أفادني بها الدكتور / أحمد بن سليمان بن عبدالله العسكر – حفظه الله – وهي مؤرخة سنة 1371هـ. وتعود لمكتبة والده الشيخ سليمان بن عبدالله العسكر إمام مسجد الأمراء وخطيب الجامع القديم في المجمعة المتوفى سنة 1403هـ – رحمه الله – .
(13) ”فقه اللغة وسر العربية” لأبي منصور الثعالبي: تحقيق: مصطفى السقا – إبراهيم الأبياري – عبدالحفيظ شلبي (ص٢٨٥) الطبعة الأخيرة، 1392هـ.
(14) ”ترتيب القاموس المحيط” مصدر سابق. (1/376) .
(15) محمد بن عمر الفاخري: “الأخبار النجدية” أو تاريخ الفاخري؛ تحقيق د . عبدالله بن يوسف الشبل، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود (ص124)
(16) “فقه اللغة وسر العربية” مصدر سابق (ص297) .
(17) ”ترتيب القاموس المحيط” مصدر سابق (1/575) .
(18) محمد بن عبدالله بن حميد. السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة؛ تحقيق عبدالرحمن العثيمين وبكر أبو زيد 0 – ط٠١- 1416هـ .(3/1148).
(19) عبدالله بن عبدالرحمن البسام: علماء نجد خلال ثمانية قرون. ط 2 ، 1419ه . (4/38) .
(20) محمد بن عثمان القاضي. روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين . ط2 ، 1410هـ (1/351، 352) .
(21) عبدالله البسام. علماء نجد خلال ثمانية قرون (2/382).
(22) كان أمير المجمعة في ذلك الوقت حمد بن عثمان بن حمد بن علي
(23) الجزء الأول (ص 523، 524، 525).
(24) تاريخ نجد للشيخ حسين بن غنام تحقيق ناصر الدين الأسد الطبعة الثالثة سنة 1414هـ.
(25) (ص 270) من المصدر المذكور.
(26) يقصد سليمان بن محمد بن سحيم
(27) المصدر السابق (ص 274) .
(28) المصدر السابق (ص 277 – 278).
(29) المصدر السابق (ص 285 – 286).
(30) المصدر السابق (ص 286)
(31) المصدر السابق (ص 247)
(32) المصدر السابق (ص 252).
(33) المصدر السابق (ص 257) وقد حرصت على نقل هذه النصوص لا فيها من الفوائد العظيمة – لمن تأملها وكذلك ارتباطها بكاتب الوثيقة الشيخ عبدالله بن سحيم – رحمه الله – .
(34) تاريخ الفاخري (الأخبار النجدية)؛ تحقيق عبدالله يوسف الشبل طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود (ص 111 – 112).
(35) عنوان المجد في تاريخ نجد؛ تحقيق عبدالرحمن آل الشيخ .- ط4 .- مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز 1402هـ. الجزء الأول (ص 88 – 89).
(36) المكتبة للأسف الشديد تفرقت وضاعت محتوياتها بعد وفاة صاحبها – رحمه الله – ، وكان بها عدد كبير من المخطوطات والوثائق التي كتبت بخطوط مشاهير العلماء في نجد والحجاز .
(37) ولد في المجمعة في العقد التاسع من القرن الثالث عشر الهجري، وتوفي والده وهو صغير السن فتولت رعايته والدته التي اعتنت به اعتناءًا بالغًا كونه وحيدها، وفي شبابه طلب العلم على عدة علماء في المجمعة والرياض، ففي المجمعة، أخذ عن الشيخ أحمد بن عيسى والشيخ محمد بن ناصر والشيخ عبدالله العنقري، وغيرهم من العلماء الذين تولوا القضاء في المجمعة، وفي الرياض أخذ عن الشيخ إسحاق آل الشيخ، والشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ حمد بن فارس وعن عدد من علماء الرياض ذلك الوقت، وكان للشيخ حمد بن ناصر العسكر اهتمام في الأدب والشعر وهو ما وجدته مدون بخطه، ومن خلال مراسلاته مع طلبته أما أعماله – رحمه الله – فقد تولى الإمامة والتعليم في مسجد (الحارّة) “بتشديد الراء” بالجمعة خلفًا للشيخ (عقيل بن إبراهيم العسكر) المتوفى في العقد الرابع من القرن الرابع عشر الهجري، كما صار مستشارًا لأمير المجمعة (إبراهيم بن سليمان بن حمد العسكر) المتوفي سنة (1314هـ)، ومن بعده لابنه عبدالله المتوفي سنة (1350هـ) رحمهم الله، ويعد الشيغ حمد من الكتاب الشرعيين الموثوق بخطهم لدى العلماء والقضاة إلى يومنا هذا، ومن أبرز طلبته – رحمه الله – ،
– الشيخ سليمان بن عبدالرحمن بن حمدان (1322 – 1397هـ).
– الشيخ سليمان بن محمد الكهلان.
– الشيخ سليمان بن عبدالله العسكر (1320 – 1403هـ).
وغيرهم من طلاب العلم في المجمعة – رحمهم الله – .
تنويه:
حسب ما ذكره لنا المؤلف فإن بعض المعلومات الواردة في هذا البحث فيما يخص أسرة العسكر تحتاج مزيد من الدراسة والتحقيق حسب ما تبين له من وثائق حصل عليها بعد نشر البحث، والتي بينت له أنه وقع في وهم وأخطاء في بعض المواضع، وذكر أنه يعمل حالياً على كتاب سينشر لاحقاً عن أسرة العسكر أهل المجمعة.
المصدر:
العسكر، عبدالله بن حمد بن محمد. (2000). رحلة مع وثيقة عمرها 258 عامًا. الدرعية، مج 3, ع 11,12 ، 415 – 444.