بقلم: عبدالمحسن بن محمد بن معمر
تمهيد:
منذ عام 850هـ – العام الذي اشترى فيه حسن بن طوق العيينة وهو العام نفسه الذي استوطن مانع المريدي جد الأسرة السعودية الكريمة الدرعية – حتى العقد الثامن من القرن الثاني عشر الهجري أي ما يقارب 350 عامًا والعيينة يحكمها ويتعاقب على إمارتها عدد من الأمراء المعمريين من أهلها وملاكها، فلم ينازعهم عليها منازع ولم يتول الحكم فيها غيرهم، وعدد أمراء العيينة الذين ترجمت لهم ووصلت إلينا أخبارهم هم (18) أميرًا خلال تلك الفترة، ولا أستبعد أن يكون هناك أمراء من الأسرة المعمرية لم تذكرهم المصادر التاريخية، وجميع هؤلاء الأمراء الثمانية عشر معروفون بأسمائهم، وسيتضح لنا أن هؤلاء الأمراء يختلفون من حيث نسبة القوة والتأثير المحلي والإقليمي.
1. الأمير حسن بن طوق بن سيف التميمي (850 هـ – 865 هـ):
هو مؤسس إمارة العيينة وجد الأسرة المعمرية، انتقل كما أسلفنا من ثرمداء لملهم فالعيينة، حيث اشتراها وعمّرها واستقطب جماعات من الناس أسهموا معه في بنائها.
ويتضح أن حسن أول أمير من أمراء العيينة ذو شخصية قيادية، ومال كثير، توفرت فيه صفات القيادة ومؤهلات الزعامة العربية التقليدية التي من أهمها أصالة النسب والكرم والشجاعة فاستطاع أن يوظفها في بناء بلده، وتوسيع نفوذه وتثبيت دعائم إمارته، بل استطاع أن يضم لنفوذه سدوس وحزوى وموقع حريملاء، ولم توضح لنا المصادر التاريخية أن ذلك التوسع كان سلمًا أو حربًا، ولكن الرواية الشفهية تفيد أن حسنًا مر بسدوس في موسم الربيع فشاهد طيب تربتها وكثرة نباتاتها، وكانت عبارة عن بقايا قصور مشيدة مهملة وآبار قديمة معطلة قد هجرها أهلها، فلم يكن بها ساكن، فاستولى عليها ودفعها إلى بعض رجاله وطلب منهم زراعتها، واتخذ فيها قصرًا، وكانت مزارعها محصورة في الفرغ وما حوله من البساتين والمزارع. ولم تشر المصادر التي بين أيدينا عن أي معلومات أو أحداث أخرى قام بها حسن وليس معنى هذا أنه ليس هناك شيء من ذلك بل المعتقد أنه لم يكن هناك تدوين لتلك الأحداث، ومهما يكن من أمر فإن حسنًا أسس إمارة قوية خلال خمسة عشر عامًا من شرائه العيينة، وتوفى رحمه الله عام 865هـ وأصبحت الإمارة متوارثة في ذريته من بعده.
2. الأمير حمد بن حسن بن طوق:
الأمير الثاني من أمراء العيينة حيث خلف أباه في إمارتها عام 865هـ وأهم الأحداث في عهده ما ذكره ابن بشر عندما تكلم عن أجداد الأسرة السعودية الكريمة قال: “ثم ولد لمانع.. ربيعة وصار له شهرة واتسع ملكه وحارب آل يزيد، ثم بعد ذلك ظهر ابنه موسى وصار له شهرة أعظم من أبيه وكثرت جيرانه من الموالفة وغيرهم، واستولى على الملك في حياة والده، واحتال على قتل أبيه ربيعة فجرحه جراحات كثيرة، وهرب إلى حمد بن حسن بن طوق رئيس العيينة، فأجاره وأكرمه لأجل معروف له عليه سابقًا”.
وهكذا يتضح أن (ربيعة بن مانع المريدي) لجأ لـ (حمد بن حسن طوق) في العيينة إثر نزاع على السلطة بينه وبين ابنه موسى، كما أن حمد بن حسن كانت له علاقة طيبة بالابن موسى بن ربيعة أيضًا، حيث استنجد موسى بأمير العيينة ضد آل يزيد فأنجده.
ولو لم يكن لحمد سمعة طيبة وقوة ظاهرة وحسن جوار لما فضل (ربيعة ابن مانع) جد الأسرة السعودية الكريمة اللجوء إليه والاحتماء به والعيش عنده في بلده إلى أن توفى.
هذه هي أهم الأحداث في عهده. وبعد وفاته رحمه الله تولى الإمارة بعده ابنه معمر.
3. الأمير معمر بن حمد بن حسن بن طوق:
هر حفيد حسن بن طوق والأمير الثالث من أمراء العيينة، وجد آل معمر الذي حملت الأسرة المعمرية اسمه إلى اليوم، وقد ذكره الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر المتوفى بالبحرين عام 1244هـ رحمه الله، في نبذته عن أسرته آل معمر، وذكر أنه حفيد حسن بن طوق، وحينما ذكر ابن بشر سلسلة نسب عبدالله بن معمر أمير العيينة المتوفي في عام 1138هـ قال: “وفي سنة 1096هـ تولى عبدالله بن محمد بن حمد بن عبدالله بن محمد بن حمد ابن حسن بن طوق في بلد العيينة”.
وقد وصل فلبي إلى استنتاج موفق حينما قال: “كانت جبيلة وجميع الأراضي الواقعة شمالها بما في ذلك هضبة طويق، تدخل ضمن حدود إمارة بني حسن بن طوق وأميرهم في ذلك الوقت معمر بن حمد مؤسس أسرة عيينة، نقول هذا – والكلام لفلبي – وإن كان انمحاء الجزء المتعلق بهذه الناحية من مخطوط ابن بشر المعروف يجعلنا على غير يقين من ذلك”.
ففلبي استنتج أن موقع معمر في سلسلة النسب في نفس الفراغ الذي تركه ابن بشر، إما سهوًا أو عدم تأكد منه، واستنتاج فلبي استنتاج صحيح اتفق مع ما ذكره الشيخ عبدالعزيز بن معمر في نبذته التاريخية.
وقد نقل عن فلبي بعض المؤلفين بعده.
وتبقى فترة إمارة معمر بن حمد، وكذلك الأحداث التاريخية في عهده مجهولة حتى الآن.
ومعمر هذا كان من أشهر رجال عصره ذو مقدرة وقيادة وكرم وشجاعة، استطاع أن يحقق مكانة سياسية واجتماعية، ولشهرته وعظمته اقتصر انتساب أبنائه وأحفاده له دون الانتساب لآبائه وأجداده.
4. الأمير محمد بن معمر بن حمد:
هو الأمير الرابع من أمراء العيينة، ويبدو أنه أكبر أبناء الأمير معمر ولم يصل إلينا عن هذا الأمير أية أخبار سوى ذكره في سلسلة نسب أحفاده.
5. الأمير عبدالله بن محمد بن معمر الأول:
الأمير عبدالله هو الخامس في سلسلة أمراء العيينة ولكن المعلومات التاريخية عنه معدومة سوى من ذكره في سلسلة نسب أبنائه أو أحفاده، وأنه كان أميرًامن أمراء العيينة قبل عام 1024هـ، وهو العام الذي تولى فيه ابنه حمد إمارة العيينة واعتبرناه عام وفاة والده وأن الابن حمد خلف والده في إمارة العيينة. وخلف عبدالله ثلاثة أبناء، هم: حمد ومحمد وناصر وتولى كل من حمد وناصر إمارة العيينة.
على أية حال فإنه منذ وفاة (حسن بن طوق) عام 865هـ وحتى تولى حمد بن عبدالله بن معمر إمارة العيينة عام 1024هـ هذه المدة ومقدارها 159 عامًا لم نحصر فيها سوى أربعة أمراء وهم:
– حمد بن حسن.
– معمر بن حمد.
– محمد بن معمر.
– عبدالله بن محمد (الأول).
وعلماء الأنساب يجعلون في كل قرن ثلاثة آباء (أجيال) وعليه يصبح في السنوات 159 خمسة آباء فهل هناك أمير سقط اسمه؟! ربما.. وهناك احتمال ضعيف هو أن هؤلاء الأمراء الأربعة عاشوا خلال هذه الفترة 159 سنة. ولكن هل كل واحد منهم أصبح أميرًا من أمراء العيينة 40 عامًا ! هذا أمر مستبعد.
ربما يكون بعضهم حكمها أكثر من ذلك، ولكن أن يكون كل منهم حكمها هذه المدة الطويلة فهذا أمر مستبعد كما أشرنا. إذآ نصل لحقيقة مؤداها أن هناك أمراء آخرين بين حسن بن طوق وحمد ابن عبدالله أي بين عامي 865هـ – 1024هـ غير هؤلاء الأمراء الأربعة، ومؤكد أنهم أخوان لهم أو لبعضهم، أي أن بعض هؤلاء الأمراء الأربعة من أمراء العيينة تولى بعضهم عدد من أولادهم إمارة العيينة ولم تدون أسماؤهم أو أنها دُونت ولاتزال مفقودة. ولم نستطع أن نحدد المدة الزمنية لإمارة الأربعة أو أبنائهم. ومهما يكن من أمر فقد وقعت خلال 159 سنة أحداث مهمة هي:
هذه هي أهم الأحداث التي وصلت إلينا ولها علاقة بالعيينة وذلك خلال الفترة ما بين عامي 891هـ و 1019هـ وهي الفترة التي لم نستطع تحديد عدد أمراء العيينة خلالها وإن كنا أحصينا منهم أربعة أمراء مع عدم تمكننا من تحديد الفترة الزمنية لحكم كل منهم.
6. الأمير حمد بن عبدالله بن معمر (1024 – 1056هـ):
من أمراء العيينة أيضا الأمير حمد بن عبدالله بن معمر حيث تولى حمد إمارة العيينة بعد وفاة والده عام 1024 هــ. وهذا الأمير كثر خلط المؤرخين في اسمه فبعضهم سمّاه (أحمد) والبعض الآخر أسماه (حمد) واستمر هذا الخلط عند الحديث عن أولاده الذين تولوا أصبحوا من أمراء العيينة بعده، فمرة ينسبون لأحمد وأخرى لحمد، مما أدى إلى وقوع المؤرخين المتأخرين في الخطأ نفسه لنقل بعضهم عن بعض دون تحقيق.
بل إن بعض المؤرخين كابن بشر والمنقور واللذين لتاريخهما أكثر من نسخة أو مسودة يقعون في الخطأ ففي نسخة يطلقون على هذا الأمير اسم أحمد، وفي النسخة الأخرى يسمونه حمد.
فالمنقور في النسخة (أ) كما صنفها د. الخويطر عندما تكلم عن حوادث عام 1052هـ قال: “في عام 1052هـ طلعة رميزان من أم احمار، وفزع أحمد ابن عبدالله راعي العيينة”.
وفي النسخة (ب) من تاريخه ذكر المنقور الحدث نفسه ولكنه سمّى أمير العيينة حمد بن عبدالله وحينما أرّخ عام وفاته سمّاه في النسختين بأحمد. أما ابن بشر فقد اعتمدت على نسختين مطبوعتين من تاريخه المسمى »عنوان المجد في تاريخ نجد» لتحقيق اسم الأمير حمد بن عبدالله هما:
الأولى طبعة مطابع القصيم بالرياض عام 1385هـ الطبعة الثالثة الجزء الأول، والثانية طبعة دارة الملك عبدالعزيز بالرياض، تحقيق عبدالرحمن آل الشيخ عام 1403هـ الطبعة الرابعة الجزء الثاني.
إضافة إلى ذلك فقد اعتمدت على صورة مخطوطة من تاريخ ابن بشر والمحفوظ أصلها في المتحف البريطاني بلندن برقم 7718OR وهي النسخة التي اعتمد عليها عبدالرحمن آل الشيخ في تحقيق كتاب عنوان المجد طبعة الدارة السالف ذكرها، على أن هناك اختلافًا بين المخطوطة وطبعة الدارة استوجب الرجوع للمخطوطة. فابن بشر ذكر الأمير حمد بن عبدالله بن معمر ثلاث مرات في تاريخه في الأعوام التالية: 1045، 1052، 1056هـ، ويوضح الجدول التالي الحدث والعام الذي وقع فيه، واسم الأمير في كل نسخ ابن بشر.
الجدول
اسم الأمير في نسخ ابن بشر
الحدث / العام |
طبعة مطابع القصيم | طبعة دارة الملك
عبدالعزيز |
مخطوط
المتحف البريطاني |
|
بيع حريملاء | 1045هـ | حمــد | حمــد | حمــد |
إخراج رميزان | 1052هـ | أحمــد | حمــد | أحمــد |
وفاة الأمير حمد | 1065هـ | أحمــد | أحمــد | حمــد |
من الجدول يتضح أن اسم الأمير مختلف في كل نسخة وكان الأغلب اسم حمد .
أما ابن ربيعة في تاريخه فقد ذكر الأمير في حوادث ثلاث سنوات هي 1024هـ، 1052هـ، 1056هـ، وأسماه فيها بأحمد.
والفاخري في تاريخه ذكر الأمير حمد بن عبدالله مرتين في حوادث عام 1045، 1052هــ وسمَاه حمد.
والصحيح أن اسم هذا الأمير (حمد) وليس (أحمد)، والخطأ ناشئ من النساخ لتقارب الاسمين في الرسم.
أما أدلتي على أن صحة اسم الأمير هو حمد فهي:
أزكى بني عبدالحميد وغيرهم | والضد من خوفه يظل موجلِ |
حمد بن عبدالله أمنّا ضايف الخلا | أن عض كالوب الزمان الممحلِ |
ياما سطا وعطا وياما قد وطا | بمهند صافي الحديد مجندلِ |
برأس الذي كر بنفسه مايـق | إذا ذل رعديـد الرجـال الزُمّلِ |
فرميزان في هذه القصيدة التي مدح بها ابن معمر أسماه حمدًا وليس أحمد.
أمراء العيينة من عام 850 – 1173هـ
المصدر:
صفحات من تاريخ نجد: إمارة العيينة وتاريخ آل معمر/ عبدالمحسن بن محمد بن معمر؛ تقديم حمد الجاسر. الرياض: دار المريخ، 1423هـ، ص ص 268 – 280.
معلومات إضافية: