كثير من الأفراد يعانون من صعوبة في قبول الحقائق التاريخية التي تخالف آرائهم الشخصية، حتى وإن كانت أرائهم غير مستندة إلى أدلة أو وثائق أو مصادر موثوقة، والمزعج حقاً عندما يتوقع هؤلاء من الأخرين عدم التعبير عن وجهة نظرهم التي تخالف آرائهم، وربما أبدو امتعاظهم لمن حولهم من بيان الأخرين للحق الذي يمتلكونه مقابل الرأي الذي يدعونه هم.
يجب أن نبدأ دائماً بتقييم مدى صحة وجدارة وجهة نظرنا قبل أن نميل إلى رفض أي وجهة نظر تختلف عنها. هذه العملية تكون بسيطة عندما نقف لحظة لتقييم مدى منطقية واستناد وجهة نظرنا إلى أدلة موثوقة، وهل تعتمد وجهة نظرنا على أساس واضح وموثوق؟ أم هي مجرد آراء غير مثبتة تماماً يصعب تتبعها إلى مصدر موثوق؟، أو أحاديث مجالس تذكر بل سند ولا دليل.
من جهة أخرى، ينبغي علينا أن ننظر إلى وجهات النظر الأخرى التي تطرح بروح موضوعية، فهل هي تستند إلى أدلة قوية ووثائق موثوقة ومعقولة؟ إذا كنا تسعى لاكتشاف الحقيقة، واتباع الحق، يجب علينا تقدير وزن الأدلة، والتفكير بعمق قبل تحديد موقفنا.
باختصار، التقييم المستند إلى الأدلة المنطقية يسهم في تحديد موقفنا، واعتمادنا وجهة نظر تستند إلى معرفة وفهم أفضل للأحداث التاريخية.
هذا المثال تقريبي، ولا يجب ربطه بأي واقع:
لنفترض أنك تتبنى إدعاء تاريخي معين، وعلى سبيل المثال أن بلدة ما تم عمارتها في القرن الثاني عشر للهجرة، وأن من أسسها هو فلان بن فلان من أسرتك.
بالمقابل، شخص أخر قدم لك وثائق من القرن الحادي عشر للهجرة أو ما قبله تذكر هذه البلدة بشكل صريح، ومصادر تاريخية موثوقة ووثائق تثبت بشكل قاطع وجود أسر أخرى في هذه البلدة قبل أسرتك!
هل من المنطق والمعقول أن:
– تستمر في تبني وجهة نظرك غير القائمة على أية أدلة؟
– تخالف وجهة النظر الأخرى، وتبحث عن تبريرات لرفضها؟
– تغضب على صاحب وجهة النظر الأخرى كونه قدم هذه الأدلة!
إن الامتثال للحق الثابت وعدم الاستجابة للهوى تمثل مبدأً أساسياً يعكس مستوى أخلاقياتنا وتفهمنا للقيم، وغالباً ما يكون من السهل أن نفتقر إلى الحكمة وننجرف خلف رغباتنا وميولنا الشخصية دون أن نأخذ في اعتبارنا تأثير هذه القرارات على المحيطين بنا، وعلى تاريخنا الشخصي والجماعي.
ونحن عندما نلتزم بمبدأ اتباع الحق والعدالة، نضمن أننا نتصرف بموقف صلب وقوي ومستدام. الحق هو القوة الأساسية التي تقوم على أسس أخلاقية وقيم توجهنا نحو السلوك الصحيح والعمل بالحق، ويجب أن نعلم أن اتباع الحق يتطلب قوة لمواجهة حظوظ النفس القائمة على الانتصار للذات، كما يجب علينا أن نتذكر دائماً أن الباطل، وعلى الرغم من صخبه وانتشاره، سيظهر في النهاية بما هو عليه ويتلاشى.