أ. د. حمد بن إبراهيم بن عبدالله بن ناصر العمران
تعتبر عملية تحليل المعلومات جزء أساسي من عملية الوصول إلى الاستنتاجات والنتائج، وهذه العملية (تحليل المعلومات) عندما تكون مبنية على: (توجهات شخصية، أو اعتقادات مسبقة، أو رغبات نفسية، أو أماني)، وليس على معطيات واقعية وأدلة قائمة وموثوقة تكون الكارثة!!
وهو علم يُعنى بدراسة الأحداث التي وقعت في الماضي وتطوراتها، وذلك بهدف فهم التاريخ، وسياقاته، وتأثيرات الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من حوله عبر الزمن.
حيث يدرس الأحداث الماضية التي شكلت مساره، ويقوم بتفسيرها وتحليلها بناء على العوامل التي أدت إلى وقوعها، ويعتمد في هذا على استخدام المصادر التاريخية، مثل الوثائق المكتوبة، والسجلات الرسمية، والمخطوطات، والصور، والرسوم، والأدلة الأثرية، وغيرها من المصادر التي تساهم في إثبات الأحداث، ووضعها في سياق زمني منظم، لفهم التغيرات التي طرأت على جوانب الحياة فيما مضى.
البعض يكون مغرماً بفكرة أو مفهوم، ويبني استنتاجاته على أساسها، حتى وإن لم تكن هناك معطيات حقيقية تدعمها، أو أدلة تسندها، وهذا هو ما يسمى بـ “الحقيقة المتخيلة”.
الحقيقة المتخيلة تعني بناء النتائج أو الاستنتاجات على أساس أفكار أو اعتقادات شخصية دون وجود دلائل تدعمها، وتعتبر هذه الظاهرة خطيرة عندما يتعلق الأمر بكتابة التاريخ.
فهؤلاء الكتّاب التاريخيون سيقومون بتقديم قصص وأحداث تاريخية غير مقبولة عقلياً ومنطقياً، حيث لا يوجد ما يدعمها من أدلة أو وثائق أو معطيات، ولو استدعى الأمر لاثبات ما يتبنونه تأليفهم لقصص وأحداث لم تحدث على أرض الواقع بهدف إثبات حقائقهم المتخيلة والوهمية التي يعتقدونها.
تكمن الواقعية في تقديم رؤية دقيقة وموثوقة للأحداث والتطورات التي شكلت مساره، وفي تقديم كتابات موضوعية تستند إلى المصادر الموثوقة، وعندما يتبنى الكتّاب مبدأ الواقعية، يكونون قادرين على تجنب المبالغات غير المنطقية، وتلوين الأحداث بآراء شخصية.
وهم عندما يعتمدون على الواقعية فهم يحافظون على التوازن في تصوير الأحداث وتجنب التحيزات والتشويهات، وبناء التفسيرات الصحيحة والمنطقية للأحداث بدلاً من الاعتماد على مبالغات غير مستندة إلى دلائل ومعلومات موثوقة، مما يقدم لنا تصور غير واقعي للأحداث.
ولعل أهم ما في الواقعية عند كتابة التاريخ هو بناء ثقة القرّاء، فعندما يقدم الكاتب معلومات تاريخية غير واقعية، ولا يمكن تصورها، فهم يفقدون بذلك ثقة القراء.
باختصار، تمثل الواقعية في كتابة التاريخ أساسًا هامًا لإعطاء الأحداث والشخصيات مكانتها الصحيحة، دون اللجوء إلى مبالغات غير منطقية تقلل من قيمة ما يكتبون.
وليتضح مفهوم ما نقصد، عندما يروي أحدهم قصة تاريخية عن أحد بلدات إقليم من أقاليم نجد، ويروي أن معركة معينة شاركت فيها جيوش الإقليم، أو أن فلان بن فلان الفارس المغوار وضع قلنسوته على رأسه ولبس درعه وحمل سيفه وامتطى صهوة جواده، أو غيرها من المرويات المنقولة أو المنحولة أو المبدوعة، ونقارنها بواقع حال الناس في تلك الفترة التاريخية، ونحن نعلم ما فيهم من: الفقر، والجوع، والفاقة، وقلة العدد، وقلة الحيلة، وضعف الحال، وبساطة المعيشة، لا يمكن تصور كثير من تلك المرويات، وحتى إن وردت وثائق عن تجارتهم مع العراق أو الأحساء أو الكويت أو الشام، فهي تجارة محدودة لا نتخيلها بواقع اليوم.
في الختام، النتائج التي تبنى على أساس المعطيات والأدلة تعكس الواقع بشكل أكبر وأدق من النتائج التي تبنى على الحقيقة المتخيلة. لذا، يجب أن نكون دائمًا حذرين ومنضبطين في عملية كتابة التاريخ والاستنتاجات لضمان أن ما نصل إليه يكون قائماً على أسس صحيحة وموثوقة.