عنوان الكتاب: لماذا تتغير اللغات؟
المؤلف: ر.ل. تراسك
المترجم: محمد مازن جلال
الناشر: دار جامعة الملك سعود للنشر
تاريخ النشر: 1434هـ
لماذا تتغير اللغات؟
من الإصدارات الجميلة لجامعة الملك سعود كتاب: لماذا تتغير اللغات؟، ففي الفصل الأخير تحدث المؤلف عن موضوع شيق، وهو: ما هي أقدم اللغات؟
لماذا تتغير اللغات؟
استعرض في تسلسل ممتع، الحركة التاريخية لتطور اللغات ووصولها إلى ما وصلت إليه.
يقول مؤلف لماذا تتغير اللغات؟: انحدرت اللغة الإنجليزية من مجموعة من اللهجات التي يطلق عليها اسم جرمانية بحر الشمال North a Germanic التي انحدرت بدورها من لغة غير مدونة نطلق عليها الجرمانية الأولى Proto-Germanic، التي تنحدر بدورها من لغة أقدم غير مدونة نسميها الهندو أوروبية الأولى التي انحدرت بدورها من لغة (…) لا نعرف شيئًا عنها، بل ليس لدينا اسم لها … لا يمكن إطلاق لفظ “الإنجليزية” على الهندو- أوروبية الأولى؛ لأنها تحللت إلى عدد كبير من اللغات المتمايزة التي لا يمكن النظر إلى معظمها على أنه لهجات للإنجليزية. لا يمكن إطلاق لفظ “الإنجليزية” على الجرمانية الأولى؛ لأن الجرمانية الأولى انقسمت إلى عدد من اللغات المتمايزة التي لا يمكن تسميتها بصورة معقولة “الإنجليزية”. ولا يمكن كذلك إطلاق لفظ “الإنجليزية” على جرمانية بحر الشمال؛ لأنها قد تحللت إلى لغات متمايزة لا تعد الإنجليزية إلا واحدة منها فحسب.
لماذا تتغير اللغات؟
لذا خلص المؤلف إلى هذه النتيجة: (لا توجد لغة أقدم من الأخرى ولا يوجد شيء اسمه أقدم اللغات لا يمكننا أن نسأل عن عمر شيء ما حينما لا تكون له بداية محددة).
وهذا كلام مهم لا بد أن يلتفت إليه المهتمون بالأنساب وتاريخ العرب ما قبل الإسلام، حيث يكثر في خطابهم المبالغة في إعطاء زمن سحيق لوجود اللغة العربية القرآنية وللجماعة العرقية التي تتحدث بها وكل هذا لا يستند لأدلة معتبرة، أقدم ذكر لمصطلح (عرب) ورد في نقش آشوري مؤرخ بعام 850 ق.م تقريبا، أي بعد إسماعيل – عليه السلام – بأكثر من 1000 سنة إن هذا الطرح مصادم لحركة التاريخ الإنساني، لكن الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالباحث تكون سببًا لصدور هذا الطرح منه، ولا أنكر أنه في حالات يكون عدم الدراية هو السبب الوحيد في ذلك.
لماذا تتغير اللغات؟
الصين مثلا لم ينتسب شعبها لهذا الاسم إلا بعد أن وحد الأمبراطور (تشين شي هوانغ) الممالك المتحاربة في القرن الثالث قبل الميلاد، فنسبت الشعوب التي تسكن تلك البقعة الجغرافية إلى مسمى هذه الأسرة (تشين)، إذا فماذا كانت تُسمى تلك الشعوب من قبل ؟ أتظن أن ليس لهم مسمى.
وهكذا يُقال في مسمى (عرب)، فأنا لا أؤمن بأن الشعوب التي سكنت الجزيرة قبل عشرات الآلاف من السنين تنتسب لهذا الاسم الذي لم يُعرف إلا متأخرًا، كما لا أؤمن بأنهم يتحدثون بنفس لسان قریش بل لهم لغات خاصة لا نفهمها، بمن فيها الأمم التي سكنت جنوب الجزيرة العربية.
هناك -مثلا- في جنوب المملكة في بعض المناطق أناس ينحدرون من أسلاف كانوا موجودين في الجزيرة العربية قبل 8 آلاف سنة وإطلاق البعض وصف العرب الذي لم يظهر إلا متأخرًا على تلك الأسلاف هو بسبب عملية (تخيل) تفرضها ظروف معينة يعيشها هذا البعض.
وقد استشكل .د جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) كون المتحدثين باللغة السبئية والثمودية والصفوية… في الجزيرة عرباً مع أنها تختلف عن العربية القرآنية؟ فحاول أن يحل الإشكال بأن سكناهم الجزيرة يكفي في وصفهم بالعرب وهذا لا يحل الإشكال بل يفاقمه، ولو أدرك DNA لتراجع عن هذا الحل، وقد كان يكفي أن يقرر أن مصطلح عرب أطلق على فئة محددة في فترة زمنية (ما)، ثم – لظروف معينة – عُمم على سكان الجزيرة مع حدوث مبالغة في رفع سقفه الزمني، فالانتساب لهذا الاسم ليس انتسابًا عرقيًا، كما أن ليس كل عرب “اليوم” متحدين جينيًا، ومع ذلك فهم ،عرب، وأنا أتحدث عن سكان الجزيرة، ولست أتحدث عن سكان ما بات يُعرف اليوم – بفضل الفتوحات الإسلامية – بالعالم العربي.
من المؤسف أن هذه المواضيع – وهي من صلب تراثنا – لا تدرس وتبحث بطريقة علمية جادة، وقد ترك المجال للهواة من المشتغلين بالأنساب والتاريخ المحلي، الذين يكثر فيهم اختزال التاريخ وتسطيح التعامل مع آثار حركته فعندما تسمع باحثًا في قناة رسمية يقول: إن السومريين ( = 3200 ق.م) عرب، فاعلم أنه لا يدري شيئًا عما سيترتب من كلامه، عرب على أي أساس؟ على أساس اللغة: لا يمكن؛ لأنهم لا يتحدثون بلسان قريش على أساس النسب: لا يمكن؛ لأنهم لا ينحدرون من القبائل التي انتسبت ونسبت لهذا المسمى، وكذا عندما تقرأ المدير مركز عربي أصدر عشرات الكتب زعمه أن لسان قريش كان موجودًا منذ 5000 ق.م، فاعلم كذلك أنه لا يدري ماذا يلزم من كلامه، فلو كانت هذه اللغة التي أكتب بها الآن موجودة في ذلك التاريخ لما استمر وجودها إلى أوائل القرن السابع الميلادي، ومن ثم نزل بها القرآن الذي خلدها، وثق أنه لو نزل بغيرها لجرى عليها ما جرى على غيرها من اللغات، ولينظر حوله؛ هل يستطيع أن يُوجد لنا مجتمعًا لا يزال يتحدث أبناؤه بمثل حديث العرب الذين أدركوا بعثة سيدنا رسول الله؟
لكن ما أسهل اختصار التاريخ وتحجيم آثاره لدى البعض!