بقلم: الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر
مرحلة الشمول، جاء في معاجم اللغة العربية (القاموس المحيط، لسان العرب، تاج العروس وغيرها) أن معنى الدسر (بتشديد الدال وفتحها وأسكان السين) الطعن والدفع بقوة يقال: دسره دسراً أي طعنة ودفعه، ويقال: دسر السفينة أي أصلها بالدسار وهو سمرها بالمسامير، وشدها بالحبال، قال الله تعالي: “و حملناه على ذات ألواح ودسر” (سورة القمر، الآية 13)، وقال في لسان العرب ج (1) ماده دسر، وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ الرجل المسلم البريء فيدسر كما يدسر الجزور”.
و الدوسري والدوسر وصف يطلق عند العرب على الأسد الهصور، قال الشاعر يصف أسداً: (عبل الذراعين شديد دوسر) وجمعه دواسر.
و تطلقه العرب على كل قوي شديد له هيبة وسطوة، فيقولون للرجل القوي الشجاع: دوسري، وللجمع دواسر، ويقولون للجواد من الخيل (قال الشاعر يصف فرساً: ليست من الفرق البطاء دوسر … قد سبقت قيساً وأنت تنظر)، وللجمل الضخم القوي: دوسري، ويقولون للحصن المنيع: دوسر (دوسر حصن منيع قرب صفين)، ويقولون للجيش الكثير القوي الذي اختير أفراده من شجعان الرجال (دوسر)، وقد أورد الجوهري من أئمة اللغه قول الشاعر المثقب العبدي يمدح عمرو بن هند:
ضربت دوسر فيه ضربة | أثبتت أوتاد ملك فاستقر |
يعني بدوسر كتيبة النعمان ملك العرب في الحيرة، وكان الجيش إذا بلغ اثني عشر ألفاً سمي الدوسر، وقال بعضهم إذا بلغ في الجيش ألف فارس سمي الدوسر، والأول أعم. (بلوغ الأدب في معرفة أحوال العرب للألوسي، ج2، ص 176، تحقيق محمد بهجت الأثري، والإكليل للهمداني، ج1، وغيرهما)
و من شمول استعمال الدوسر بين القبائل العربية: أن قبيلة بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم رهط الأحنف بن قيس تسمى في الجاهلية (الدوسر). (حاشية الإكليل ج10، ولسان العرب ج4)
وكان من العرب في الجاهلية وفي الإسلام من سمى بعض أبنائهم باسم (دوسر) و(دوسري) تفاؤلاً أن يكون كذلك، ومن ذلك: دوسر بن ذهل القريعى، وقيل اليربوعي الذي قال قصيدة في نجد، وهو في الغربة، ومنها:
وقائلة ما بال دوسر بعدنا | صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند |
(صبا نجد للأستاذ محمد بن عبد الله بن حمدان)
ومن ذلك: دوسري بن عبدالوهاب أبو نقطة، من أمراء عسير، وكان رحمه الله ممن نقلهم إبراهيم باشا بعد حرب الدرعية، لأنه وعشيرته من أنصار الدعوة إلى توحيد الله تعالى، التي قام بها الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، وناصره الإمام محمد بن سعود جزاهما الله عن الإسلام خير الجزاء. (تاريخ الشيخ عثمان بن بشر، ج 2، ص 137، ط 4، تحقيق الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ)
ثانياً: مرحله اشتهار قبائل الأزد، وبوجه أخص قبائل: أزد، وشنوءة، وعمران بن عمرو، ووادعة بن عمرو، ومزيقيا التي دخلت في همدان (الأكليل، ج10، وسيأتي إن شاء الله في الفصل الثاني اثبات أن وادعة أزديه لاهمدانية، وذكر من أثبتها، والله سبحانه وتعالى أعلم) بهذا الوصف: الدوسري للفرد، ودوسر والدواسر للجمع، حتي يكاد يفقد في غيرهم، بل وندر في المسميات الأخرى وذلك – والله أعلم – يرجع إلى أن قبائل الأزد اشتهرت منذ أن كانوا ببلادهم (مملكة سبأ)، وبعد خروجهم منها إلى الحجاز ونجد والسواحل الشرقية والعراق والشام وغير ذلك بقيادة أخر ملوك سبأ مزيقيا عمر بن عامر الأزدي، اشتهرت هذه القبائل الأزدية بين الناس بقوتها وبأسها ونجدتها، حتى صاروا سادة وملوك أكثر الأمصار والأقاليم التي حلوا فيها كل في جهته، كما يأتي بيان ذلك في الفصل الثاني إن شاء الله تعالي.
ومن أمثلة اشتهار الأزد بهذا الوصف، ما جاء في تاريخ الأمم والملوك للأمم ابن جرير الطبري في حوادث سنة 101هـ ( واحد ومائة للهجرة) وغيره من كتب التاريخ فيما أورده من شعر ثابت قطنة، وهو ثابت بن كعب بن العتيك بن الأزد بن عمران بن عمرو بن عامر ماء السماء، وهو الشعر الذي قاله يمدح ألفي فارس من قومه الأزد لما انجدوا مدرك بن المهلب الأزدي ومن معه، لما اعترضه جيش كبير قوامه أربعه آلاف مقاتل بقيادة والي الري خالد بن عتاب التميمي ومن معه قومه من بني نزار يمثلون أكثر الجيش، فطلب الأزد من خالد أن يخلي سبيل مدرك فأبى إلا أن يقتله، فلما رأوا ذلك منه قالوا له: دونك مدركاً إن استطعت إليه سبيلاً فاقتله، ووقفوا في وجه جيشه ومنعوه من التقدم إلى مدرك، فلما رأي أن لا سبيل إلى ما أراد رجع مكرها، (هذه القصة مستخلصه مما في تاريخ الطبري والإكليل وغيرهما) ، وفي هذا يقول ثابت كما في تاريخ ابن جرير والاكليل وغيرهما:
وَقَد حَشَدَت لَتَقتُلُهُ تَميمُ | أَلَم تَرَ دَوسَراً (يعني الأزد) مُنِعَت أَخاها |
وَحَيّا ما يُباحُ لَهُم حَريم | رَأَوا مِن دونِهِ الزُرقَ العَوالي |
هُناكَ المَجدُ وَالحَسبُ الصَميم | شُنوءَتِها وَعَمرانُ بنُ حَزمٍ |
رِماحُ الأُزدِ وَالعِزِّ القَديمُ | فَما حُمِّلوا وَلكِن نَهنَهَتهُم |
وَلَيسَ بِوَجهِهِ مِنكُم كَلوم | رَدَدنا مُدرِكاً بِمُرَدِّ صِدقٍ |
لَدى أَرضٍ مَغانيها الجَميمُ | وَخَيلٍ كَالقِداحِ مُسَوِّماتٍ |
عَزيزٍ لا يَفر وَلا يَريمُ | عَلَيها كُلُّ أَصيَدَ دَوسَري |
تَرى السُفَهاءَ تَردَعُها الحَلومُ | بِهِم تُستَعَبُّ السُفَهاءُ حَتّى |
و قال الهمداني في الإكليل: “ومن مرهبة عبد السلام الدوسري، من أهل الري، وكان سيداً مطاعاً، كثير الجماعة، وذكر نجدته لعبدالرحمن بن محمد بن الاشعث، وذكر أن وادعة تشتهر بمرهبة الدوسر، وبعصارة المسك، وأرحب الكرام، وأحلاس الخيل لعموم الفروسية فيهم وحذقهم لها، إلى أن جرت اسم أحلاس الخيل على همدان كلها، هكذا قال (وهذا من الشواهد على أن همدان على سعتها وقوتها انما اكتسبت وصف الدوسرية وأحلاس الخيل من قبيلة وادعة بعد دخولها فيها والله أعلم) وكانت همدان تنسب وادعة إليها وتفخر بها، ومما تقدم في ذكر مرهبة الدوسر وما في قصيدة ثابت المتقدم من ذكر شنوءة وعمران بن عمرو ووصفهم بالدوسرية عموماً وأفرادا بقوله: دوسرا وقوله: عليها كل أصيد دوسري، دليل من الأدلة على أن الدواسر وصف اشتهرت به هذه القبائل من الأزد قبل انحصاره في الغالب في آل الأزد المشتهرين بآل زايد وحلفائهم.
ثالثاً: مرحلة استقلال قبيلة آل زايد وحلفائها بهذا الوصف واختصاصهم به، حتى لا يكاد يوجد في غيرهم إلا نادراً، فإذا قيل: دوسري أو الدواسر، فإن ذلك لا ينصرف إلا إليهم في مفهوم الناس، وبالأخص أهل الجزيرة العربية، وهذا يرجع – والله أعلم – إلى أسباب أظهرها:
بقاء هذا الوصف في هذه القبائل الأزدية من ذرية عمرو بن عامر آخر ملوك سبأ إلى أن قدموا إلى وادي العقيق (وادي الدواسر)، وعرف بهم، لأن السيادة صارت لهم فيه منذ أن استوطنوه وما حوله، كما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
ومن شواهد ذلك: أن أمير الوادي وشيخه في القرن السابع الهجري: (رُوَى بن بدران) شيخ الدواسر، كما أورد ذلك ابن وصل الله العمري
في مسالك الأبصار (وممن نقل ذلك الأمير حسين بن جريس في مذكراته التاريخية)، وكانت رئاسة الوادي لبني بدران حتى ارتحلوا منه إلى الشمال، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله، وكان رحيلهم بعد وفاه شيخ الدواسر عامر بن زايد بن بدران، الذي يقول فيه الشاعر:
لا قلت هون من جمامه زاد | وليلة وردنا العد عدِّ آل زايد |
حييت يا غمرٍ فلاحه باد | ضفنا وضيّفنا ابن بدران عامر |
والكباش ما يعرف لهن عداد | شيخٍ ذبح بالحال عشرين فاطر |
وخلى الجمال تشيل كل الزاد | وكثر مزاهبنا على كثر عدنا |
ولا شيخٍ إلا عامر بن زياد | فلا ظلٍ إلا ظل غار من الصفا |
ونشر العدا من لا اليه اذاد | ما هو يكف النشر من يمّة العدا |
و هي قصيدة دالية طويلة تصف رحلة طويلة، وأماكن كثيرة، متجهه من شرق الجزيرة الجنوبي إلى شمالاً، قامت بها قبيلة كثيرة العدد اشتهر بين كثير من الناس أنها قبيله بن هلال، وأن قائل هذه القصيدة أميرهم أبو زيد الهلالي، وذكر الأستاذ سعد بن عبدالله بن جنيدل المؤرخ المعاصر أن هذه القصيدة لفارس بن شهوان الضيغمي، يصف فيها طريق انتقال قبيلته من بلادهم إلى نجد(2) والله أعلم. (نشر هذه القصيدة الشاعر عبدالله بن حميد الدوسري وذكر من نسبت له أعلاه وطلب من القراء إفادته بما لديهم وذلك بجريدة الجزيرة عدد 4740 في 6/1/1406هـ، وممن أجابه ريحانه بنت عبدالله الدوسري نقلاً عن والدها مع بقية القصيدة، وذكر والدها أن القصيدة لبني هلال والله أعلم)
أما ما ورد من تسمية بعض الأماكن أو الموارد أو الإبل أو النخوة أو غير ذلك بالدوسرية بعد اختصاص آل زايد وحلفائهم بوصف الدواسر، فإن ذلك يعنيهم وحدهم فيما نعلم، مثل تسميه قلعة مدينه جيزان المنيعة على الجبل الواقع على ساحل البحر بـــ (الدوسرية)، فإن اسمه اطلق عليها بعد أن اقتحمتها جماعة من جيش الملك عبدالعزيز آل سعود من آل زايد بقيادة أميرهم ابن نادر، وذلك بعد أن استعصت على جيش الملك عبد العزيز المحاصر لها بقيادة الأمير الهمام التغلبي الدوسري حمد الشويعر قائد جيش الملك عبد العزيز في تهامة سنة 1352 هجرياً، وذلك أن جماعة ابن نادر من الدواسر.
ركبوا سفينة، وتوجهوا ليلاً إلى تلك القلعة حتى أتوها من الجهة الأخرى، وتسوروا عليها الجدران، فلما أصبح الصباح، وإذا بجيش الملك عبد العزيز يفاجأ بالبشرى، وهي رفع راية التوحيد على رأس القلعة، بعد أن فتحتها جماعة ابن نادر، وأعطوا الأمان لمن فيها (وهي قصة مشهورة، وقد قصها على الأمير فراج بن نادر نفسه، وكان على رأس جماعته)
أما قبيله تغلب التي سبقت إلى سكن الوادي، والتي تعرف عند البعض بالدواسر القداما، فقد ذكر بعض من علمائها الذين لهم خبرة بتاريخها، أنهم دخلوا في الدوسرية بالحلف، بعد مقدم قبائل الدواسر الأزدية إلى الوادي (بل قد دخلوا في الدوسرية بالحلف قبل مقدم الدواسر إلى الوادي)، أنه ليس لتغلب ابن اسمه دوسر فيما علموا، وكذا قال من سألناه من شيوخ آل زايد العارفين بأنساب أهل الوادي، وذكر الأستاذ المؤرخ على بن حسن العبادي في بحث كتبه أن كتب الأنساب لم تذكر لتغلب من الأبناء والحفدة من سمى دوسر، وخطأ الأستاذ فؤاد حمزة في قوله في كتابه (قلب جزيرة العرب) عن التغلبيين بأنهم أبناء دوسر بن تغلب.
تاريخ الدواسر
وقد يستدل على صحه ذلك: أن الوادي قبل قدوم آل زايد إليه ما كان يعرف بوادي الدواسر، وليس للدواسر فيه اسم مشتهر، وإنما عرف باسم وادي العقيق ووادي تمرة وواد عقيل، والله أعلم، وعلى أي حال فإن بني تغلب لا يقلون عن الأزد، فهم أهل دين وشهامة، ونشرف سواء دخلوا في الدوسرية بالنسب أو الحلف، وهم وآل زايد وكل منهم يد واحدة في الحق إن شاء الله، وأسرة واحدة، وفوق هذا كله: أخوة في الله، وصلي الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين… يتبع
تاريخ الدواسر
تعليق الموقع: هذا ما وجدناه بخط الشيخ عبدالرحمن الحماد العمر، ومن يصل إلى بقية ما كتب، فليتفضل مشكوراً بتزويدنا به.