alomran alomran alomran
أخر الإضافات:
الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن حمود السميط رحمه الله أختام علماء ومشايخ وشخصيات نجدية مهرت بها بعض وثائق أسرة العمران تراجم قضاة نجد المعروفين منذ القرن العاشر حتى النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري معجم مصطلحات البناء النجدية صور قديمة لمباني في نجد من دراسة بعنوان: العمارة المدنية في نجد لجيفري كينغ (1982م) رسالة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إلى أهل سدير الزخارف النجدية : مثال بيت العم عبدالرحمن بن إبراهيم العمران في عودة سدير شما بنت عبدالله بن عمران بن محمد بن عامر المجمعة في قاموس الأعلام رسالة من أبناء حمد بن عمران إلى أبناء عبدالله بن عمران موقف الملك عبدالعزيز من اعتذار أمراء سدير وجباة زكاتها عن دفع زكاة العروض ودفع ما تيسر حديث ولد سبأ العشرة: تخريجاً ودراسة حديثية محمد بن ناصر الصبيح (راعي زاهبة) أول أسطول بحري للإمام فيصل بن تركي آل سعود التاريخ في نجد حتى القرن العاشر كان غامضاً لماذا لا ينبغي الانطلاق من المصادر الثانوية في دراسة القضايا التاريخية؟ مدارس البنات في نجد سنوات الرخاء والقحط التي مر بها النجديون العمل الخيري المؤسسي علاقة نجد بالشام من 1157هـــ إلى 1225هــ أمراء العيينة من عام 850 - 1173هـ محطات في توحيد المملكة العربية السعودية شياع في النسب لا يعرف أصله من نوادر وثائق بلد الغاط عام 1224هـ/1809م‏ وقفية نجدية نادرة: تعود إلى القرن الحادي عشر الهجري منصور بن عبدالله بن محمد بن حماد في رحلة مع وثيقة عمرها 258 عامًا مسجد الدواسر بالدرعية عبداللطيف باشا المنديل قبيلة بني ياس ونسبة آل بو فلاح للدواسر حادثة قتل أهل عودة سدير لآل شقير سنة 1111هـ التحصينات الدفاعية السعودية حوامي عودة سدير مرقب عودة سدير قصيدة رثاء الأمير رميزان بن غشام في الأمير محمد بن عامر إمارة بني خالد في الأحساء
اليمامة بين الماضي والحاضر
اليمامة

اليمامة بين الماضي والحاضر

(خُلَاصَة المحاضرة القيمة اَلتِي حَاضِر بِهَا الأسْتاذ الشَّيْخ عَبْد اَللَّه بْن خميس صَفوَة مِن رِجَال العلم والْأَدب فِي «عَمَّان» فِي مُجتَمَع أَدبِي أُقيم فِي الشَّهْر الماضي)

طُرِّزَ أديمُ الجزيرة العربيَّة بِجبال تَخللَت سهولها وسهوبها، وأغْوارهَا، وانجادها، وتَلونت بِألوَان أجْزائهَا الطَّبيعيَّة، فَهِي جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ ألْوانهَا، وغَرابِيبُ سُودٌ.. وَهِي أَعلَام يُقتَدَى بِهَا، وَحصُون يَلُوذ أَهلَها بِهَا عِنْد الملمات، وَأكُنان تَقيهِم الحَر والبَرْد، ومسْتوْدعات للمياه، ومنابتُ للعِضَاه، وأشجار المراعي.

عَرفَت كُلَّ قَبِيلَة بِجبلها أو جِبالِهَا، وحفلت أشعارهم بذكرِهَا، والتغنِّي بها، وأضيفت أيَّامهم ووقائعهم إِليهَا: فتغنَّت طَيءٌ بجبليها أَجأ وَسلمى، وعبْسٌ بجبلها قَطن، وجُهَيْنَةُ بِرضْوى، وتميم باليمامة والعرَمَةِ، وهْذيل بكَبْكَبَ، وسُليْمُ بِشَروْرَى.

 فقل إن يَخلُو شعرهم مِن ذِكْر سهلان والنِّير وَجَبلَةَ، وَطُخْفَة وَشُعبَى، والهضب، و خَزَاز و حَضَن، وتهْلل، والكُور، ويذْبُل، وعمَاية، وغيرها من جبال الجزيرة الخالدة، ولربما كانت مواطن حُبٍّ، وملاعبِ صبي، ومدارجُ عواطف.

يَا حَبَّذا جَبَل الرَّيَّانِ، مِنْ جَبَلٍ

وحبَّذَا سَاكِن الرَّيَّان، مَنْ كَانَـــــــــــــــــا

وحبَّذَا نَفَحات مِنْ يَمانِيــــــــــــــــــــــةٍ

تَأتِيكَ مِنْ قِبلَ (الرَّيَّـان) أحْيانــــــــــــا

ولربما أثارت ذكرياتِ غريب، وحنين إلفٍ، ووَجْدَ مَشوقٍ:

أحبُّ بلادُ اللهِ ما بَيْن مَنْعِجٍ

إليّ، و (سَلْمى) أنْ يَصوبَ سَحابُها

بلادُ بها نِيْطتْ عليَّ تَمائِمي

وأوّلُ أرْضٍ مَسَّ جِلدي تُرابُهــا

وجبل اليمامة هو أشهر جبال الجزيرة العربية، بعد سلسلة جبال السَّروات وأطولها امتداداً، وأكثرها سكاناً، وأخصبها وأغناها، وأشهرها تاريخاً وأبعدها ذكراً امتدَّ على سهلٍ يقع ما بين الدَّهْناء شرقاً، وعالية نجد أو ما يسمى بالدرع العربي غرباً، وما بين الرُّبع الخالي ونجران ومُنحدرَات جبال اليمن جنوباً، وبين مجتمع رمال الدَّهناء والقصيم والثّويْراتِ شمالاً، فامتداده من الجنوب إلى الشمال حوالي ثمانمائة ميل، ومن الغرب إلى الشّرق يتراوح ما بين المائة إلى الخمسين ميلاً، وأعلى قمة فيه تبلغ حوالي ألف وخمسمائة متر، وإذا استقبلته من جانبه الغربي رأيته منتصباً سامقاً، تلوحُ صفحاتـه البيض، وَرِعانهُ الشمُّ، وشماريخه الفارغة.. وتذكّرت قول عمرو بن كلثوم:

فأعرضتِ اليمامَةُ، واشمخَرَّت              

كأسيافٍ بأيدي مُصلتينَــــــــــــــــــا

ثم يأخذ في الانحدار التدريجي مشرقاً، حتى يلامسَ السهول الشرقية، وبه فِجاج متباعدة ما بين كلِّ فجٍّ وآخر مسافات متقاربة في القدرِ، جعلها اللهُ سُبُلاً للمارّةِ، ومنافذَ للسيولِ، وهذا مصداق لقوله تعالى: (وجعلنا في الأرْضِ رواسيَ أن تَميدَ بهمْ، وَجَعَلْنَا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لِعَلَّهُمْ يَهْتَدُون).

وهذه الفِجاج في هذا الجبل هي كما يلي:

من الشمال إلى الجنوب: العَتْكُ، وثنِيَّة الأحْيسِى، ولِحا، ونِساح، والبرْكُ، والهَدَار، وتمرة، وتنحدر من هذا الجبل أودية عظيمة، تبدأ من قمّته من الناحية الغربية، وتذهب مشرقة، مارة ببلدان ونخيل ومزارع، حتى تُفضى إلى رياض وسهول خصبة التربة، جيدة الإنتاج، واسعة الأرجاء، وفي هذه الأودية وما تفيض عليه تقع بلدان اليمامة وقراها، وتنتشر نخيلها ومزارعها، فيه إحدى عشرة مقاطعة، هي كما يلي:

-العارض: وقاعدته الرياض.

-الخرج: وقاعدته الدّلمَ.

-وادي بُرَيك: وقاعدته الحوطة.

-الإفلاجُ: وقاعدته ليلى.

-السُّلَيْل: وقاعدته السليل.

-وادي الدواسر: وقاعدته الخَماسِين.

-ضَرمَا: وقاعدتها البلاد.

-الشعيب: وقاعدته حُريمْلاء.

-المحمل: وقاعدته ثادق.

-سُدَير: وقاعدته المجمعة.

-الغاطُ والزُّلفي: وقاعدته الزُّلْفِي.

ولليمامة تاريخٌ حافلٌ منذ العصور الموغلة في القدم، مكنها من تكوين هذا التاريخ عدة عوامل منها:

 -موقعها الجغرافي المتوسط بين اليمن والعراق من ناحية، وبين الحجاز والبحرين من ناحية أخرى: فهي تعتبر ملتقى القوافل التجارية، ومنتجع قبائل أطراف الجزيرة.

– خصبها ووفرة انتاجها، وكثرة مياهها، وجودة نخيلها، فلقد كانت تَمِيرُ الحجاز، ويقف صاحبها يهدد الحجازيين بقطع الميرة إذا خالفوا له رغبة، أو بدا منهم ما يسوءه.

– أعطاها هذا الجبل حصانة طبيعية من الغزاة والمغيرين، ووقف حائلاً دون ويلات الحروب، وتدميراتها، ممّا كان سبباً في استتباب أمنها، وامتداد عمرانها، وتكاثر سكانها، ولذا كانت موطن الحَيِّين العظيمين من العرب البائدة (طَسْم) و (جَدِيس)، وكان لهم بها آثار وأخبار، هي مضرب المثل في القوة، والنفوذ، وبعد الصيت.

وفي الجاهلية استوطنها من القبائل العربية أكثرها عدداً، وأقواهـا شوكة، وأكبرها مكانة كقبيلة تَميم، و حَنيفة، وقُشير، وعُقيل، وغيرها من القبائل النابهة الذكر.

ومنهـا هوذة بن علي الحنفي، أول مُعَدِّيٍ لبس التاج، وخوطب بِـ (أَبيَت اللَّعْن)، وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كما كتب لكسرى وقيصر.

ومنها ثمامة بن أُثالٍ صاحب القصة الشهيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكنها لم توفق في بدء الإسلام لقبوله كما هو الشأن في مكة، وكثير من حواضر الجزيرة العربية، وبواديها، بل تولى كبره فيها زعيمها الكذاب مسيلمة، وتذامرت حوله (بنو حنيفة)، ولكن سيوف الإيمان اقتلعت منها هذه النزوة وراضتها على مركب الحق.. فانقادت للخير وأبلت في الإسلام بلاءً حسناً: و (خِيارُكمْ في الجاهلية خِيارُكم في الإسلامِ إذا فَقَهُوا).

واحتفظت اليمامة بمركزها القيادي بعد انكماش ظل الخلافة، يقول صاحب کتاب:  (بلاد العرب وجبالها ومياهها ومعادنها): (يجبى جابيها بجوف مِرْ بَد البصرة، ويجبي برُكبةَ قريباً من الحجازِ، ويجبى برمال اليمن قريباً من صنعاء، ويَجبى بالبحرين، ويدعى بمنبر أحساء هجر لواليها، وواليها – أي هجر – من قبل عامل اليمامة، ويجبى بجَبَلَي طَيّءٍ، وذلك أن جميع (قَيس) جبايتها إلى اليمامة، ما خلا بني كلاب فأما عُقَيْل، وقُشير، ونُمير، وباهلة.. وكل قيس فإلى اليمامة، وأما بنو سعد، وضبة، والرباب، وبنو يربوع.. وغيرهم فإلى اليمامة).. انتهى كلامه.

أما ابن الفقيه في (مختصر كتاب البلدان)، فيصف لنا خصبها، وقوتها ومنعتها، فيقول باختصار: (عيون اليمامة كثيرة فيها عين يقال لهـا الخَضْراء، وعين يقال لهـا الهِيتُ، وعين بِجَوٍّ تجري من جبل يقال له الدَّامُ، وبها عين يقال لها الهجرة، وبالمَجَازة نهران، وبأسفلها نهر يقال له سَيْح الغَمْر، وبأعلاها قرية يقال لها نَعَام بها نهر يقال له سَيْحُ نعام، وذات النّسُوع قَصْرٌ باليمامة، وبَتِيل حَجْرٍ عليه قصر مشيد عجيب من بناء طسم. ومُعْنِق قصر عُبيد بن ثعلبة، وهو أشهر قصور اليمامة من بناء طسم على أكمة مرتفعة، والثَّرمليَّةُ حصْنُ من حصون طسم، ويقولأهل اليمامة: غلبنا أهل الأرض شرقها وغربها بخمسِ خِصَالٍ: ليس في الدنيا  أحسن ألواناً من نسائنا، ولا أطيب طعاماً من حنطتنا، ولا أشد حلاوةً من تمرنا، ولا أطيب مضغةٍ من لحمنا، ولا أعذب من مائنا، فأما قولهم في نسائهم فإنهن دُرِيَّاتُ الألوان، كما قال ذو الرمة: كأنها فِضَّةٌ قَدْ مَسَّهَا ذَهَـبُ، وذلك أحسن الألوان، ويقال لا تبلغ مُولّدَةٌ مائة ألف درهم إلا اليمامة. وأما حنطتهم فتسمى بيضاء اليمامة، تحمل إلى الخلفاء. وأما تمرهم فلو لم يعرف فضله إلا أنّ التّمر ينادى عليه بين المسجدين يَمامِيُّ – من اليمامة، فيباع كل تمر ليس من جنسه بسعر اليماميّ).. انتهى كلامه.

وأكثرَ الشعراءُ من ذكرِ اليمامةِ، وتغنّوا بطبيعتها، وَحَنُّوا إليها.

يقول الأعشى اليمامي:

شاقتك من (قَتلةَ) أوطانهـا            

بالشطِّ فالوِترِ إلى حَاجِر

فُر کنِ مِهْراسٍ إلى مـاردٍ            

فقاعِ مَنْفُوحَـــــــــــة فالحائر

ويحن زياد بن منقذ إلى وطنه اليمامة، وكان متغرباً في اليمن فيقول:

لا حَبَّذا أَنْتِ يا (صَنْعاء) مِنْ بَلَدٍ

ولا شَعُوبُ هَـوىً مني ولا (نُقُمُ)

إذا سَقى اللهَ أرضاً صَوْبَ غاديـةٍ

فلا سقاهُنَّ إلا النّـــــــارُ تضْطرمُ

وحَبَّذا حين تُمسي الريحُ باردةً

 (وادي أُشيّ) وفتيــانٌ به هُضمُ

مَتَى أَمُرُّ على الشّقراءِ معتسفاً

 (خـلَّ النَّقا) بِمرُوحٍ لَحْمُها زِيَـــمُ

و (الْوَشم) قدْ خَرَجتْ منهُ وقَابَلها

مِنَ الثَّنايَا الَّتي لّمْ أّقُلْهــا (ثَرَمُ)

نَحْوَ (الأميْلح) أو (سَمْنان) مُبْتَكِراً

في فِتْيَةٍ فيهُـــــمُ المَرَارُ والحَكَمُ

لَمْ أَلْقَ غَيْرَ هُمُ فِي كُلِّ نَازِلةٍ

إِلَّا يزيدُهُم حُبًّا إِليَّ، هُـــــــــمُ

ولبعضهم وقَدْ حكمت عليه ظروفه بالإقامة بعيداً عن وطنه اليمامة فقال متشوّقاً:

مَنْ لِصَبٍّ ضَاعَفَ النَّأيُ هُيَامَهْ

مُدْ نِفٍ حَنَّ إِلى (حَجْرِ اليمامة)

كُلمَا رقَّ لَه رِيحُ الصِّبَا

عاجَ توًّا، عَلَّهُ يُرْوَى أوامَــــــــــه

وَإذَا مَا اِنْحدَرتْ سَارِيةٌ

حَمَّلَ البرْقَ مُنَاه وَسَلامَـه

حَبَّذَا ( حَجْر ) وَمَن يَسكُنُه

وأُهَيل اَلوِدِّ مِن ( وَادِي ثُمَامَه)

ويلم بوطنه بعد لأي، فيبدو له جبل اليمامة من بعد، فيقول:

يا جاثمًا بالكبرياءِ تَسَرْبَلا

هَلَّا ابْتَغَيْتَ مَدَى الزَّمَانِ تّحّوُلَا؟

 شابَ الغُرابُ وأنت جَلدٌ يافعٌ

ما ضَعْضَعَتْ منكَ الحوادثُ كاهِلا

تَرْنو إلى الأجْيالِ حَولَك لا تَنِي

تَتْرَى على مَرِّ العَصورِ تَــــــداوُلا

وأراك معتدلَ المناكِبَ سامِقًا

تبدو بك الشُمُّ الرِّعانُ مَوائِـــــلا
وَكَأَن (عَمْرًا) خالهَا إِذ أَعرَضتْ

مِثْلَ السُّيُوفِ المُصلتَاتِ نَوَاحِلَا

بالأمْس لَمْ تَمْضِ القُرُونُ ولمْ تَبدْ

في سَفْحها للقاطنين جَحَافـــلا

يَا أَيُّهَا العِمْلاقُ زِدْنَا خِبْرَةٌ

عَمَّنْ أَقامُوا فِي ذُرَاك مَعَاقِلَا

واقْصُصْ عليْنَا اليوْمَ مِنْ أخْبارِهِمْ

مَا ثمَّ مِنْ أَحَدٍ يُجيبُ السَّائْلَا؟

إلى آخر ما جاء في هذه القصيدة التي هزت شاعرية الشاعر الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي شاعر الحجاز، فقال من قصيدة طويلة شيقة معارضاً بها هذه القصيدة:

جَبلٌ على فَوْديْه طامَنتِ السُّهى

مِن جانِبَيْهَا فَازدهى وتَغَزَّلَا

ما انشَقَّ إلا منْ وراءِ شِعافِـه

فَلَقُ الصَّباح، وقد أطلَّ وأقبَلَا

تَرْنُو إليهِ الشّمْسُ وهي حَريصَةٌ

ألّا تشعُّ على سِواهُ وَقَدْ عَلا

مِنْهُ القوافي الفَاتناتُ تَبلَّجَتْ

حَوْراء رَائِعةً تَبرّجُ فِي الحُلى

وَكأَن مَا أَرسَى الجَزيرةَ كُلهَا

طَوْدُ اليمامَةٍ راسخًا ومكلَّلَا

أما يحيى بن طالب اليمامي فقد ركبه دين في بلاده فنأى إلى (الرّي)، وطال نأيه فقال متشوقاً من قصيدة:

ألا هَلْ إلى ريْح الخُزامي ونَظْرَةٍ

إلى (قَرْقری) قبْلَ المماتِ سَبيلُ

فأشْرَب مِنْ ماء (الحُجيلاء) شَرْبَةً

یُداوی بها قبلُ المماتِ عَليلُ

أُحَدّثُ عنْك النَّفْس أنْ لَستُ راجعاً

إليكِ فَحُزنى في الفُؤادِ دَخِيلُ

أُرِيْدُ انحداراً نَحوَها فَيَصُدُّني

إذا رُمتُهُ دَيْنٌ عَليّ ثَقِيــــــــــــلُ

ويقول من قصيدة أخرى: ـ

أحَقّاً عِبادَ اللَهِ أَن لَستُ ناظِراً

إِلى قَرقَرى يَوماً وَأَعلامِهـــا الغُبرِ

إذا ارتـحـلتْ نـحـو (اليـمـامَـةِ) رِفْـقَةٌ

دَعـاكَ الهَـوَى، واهـتـاجَ قـلبُـكَ للــــــذِّكرِ

ألا هَــل لِشَــيــخٍ وابــن سـتـيـن حِـجَّةً

بَكـى طَـرَبـاً نَـحـْوَ (اليـمـامـــــةِ) مِنْ عُذرِ؟

فَـيا حَــزنـاً ماذا أُجِــنُّ مِـنَ الْهـوى

وَمِـنْ مُـضْـمَـرِ الشَّوقِ الدَّخيلِ إلى (حَجْرِ)

تَــغَــرَّيتُ عـنـهـا كـارهـاً، فَتَـركْتُـهـا

وكــانَ فِــراقــيــهـا أحَـرَّ مِــنَ الجَمْـرِ

وقد أنجبت اليمامة أعلاماً في الشعر، والعلم، والقيادة، والزعامة، لهم اليد الطولى، والمساهمة الوافرة في تكوين التراث الاسلامي والعربي.

فمن أعلام شعرائهـا: الأعشى، وجرير، والفرزدق، وذو الرِّمّة، والحُطيئة، وبكر بن النَّطَّاح، ويحيى بن طـالب، ونُوَيْب السَّلُولي، وابن عُثيمين، وابو نُخَيْلة، ومروان بن أبي حفصة: وزياد بن مُنْقذ، وعمارة بن عقيل، والعباس بن الأحنف.

ومن علمائها وأدبائها: ابن بسام صاحب كتاب الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر، وابن حميد صاحب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، والمجدد والعلم محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة السلفية صاحب المصنفات الجمة، وانقاذ جزيرة العرب من الخرافات، وعبادة الأموات، ثم أولاده وأحفاده من الأعلام البارزين: ابن غنام المؤرخ، وابن بشر المؤرخ، وابن سحمان، وآل عتيق، وابن معمر، والمنقور، وأبو بُطَيْن، والعنقري، وابن ماجد، وغيرهم ممن لهم آثار وأخبار.

ومن الزعماء والقادة: هوذة بن علي الحنفي، وثمامة بن أثال، ومجاعة بن مرارة، وجمع من آل سعود، وآل أبي حفصة، ورؤوس تميم، وحنيفة، وغيرهم من قبائل اليمامة..

واشتهر في اليمامة زرقاؤها وعرافها: فأما الزرقاء فهي من جديس مضرب المثل في حدة البصر، سميت الزرقاء لزرقة عينيها، كانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام، ولها أخبار طوال، كان إذا مر بها سرب الحمام خاطفـاً تابعته ببصرها وأحصته، مهما كان كثيراً، وفي ذلك يقول النابغة:

واحْكُم كحُكْم فتاةِ الحَيّ إذْ نَظرَت

إلى حَمامِ شـراعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ

فعَدّدُوه فألفوهُ كمــا حَسَبَتْ

تسعاً وتسعين لم ينقص ولم يزد

ويقول بها المتنبي:

وأبْصَرُ من زَرْقاءِ (جَوِّ) لأنني

إذا نَظَرَتْ عينايَ شاءَهُما عِلْمي

وأما العراف فهو رباح بن كحيلة اشتهر بطبه، ومعالجته سائر الأمراض، وفيه يقول عروة بن حزام:

أَقولُ لِعَرَّافٍ (اليَمامَةِ) داوِنِي                     

فَإنَّـــــــــــــكَ إنْ أبرَأْتني لَطَبيبُ

وقول آخر:

بَذلتُ لِعَرَّاف (اليمامَة) حُكْمَهُ                   

وعَرَّاف (نجْدٍ) إن هُما شفيَاني

وفي القرن الثاني عشر للهجرة كانت اليمامة ككل أجزاء الجزيرة العربية، تغط في سبات عميق من الجهل، وتسودها شريعة الغاب، وتتحكم فيهـا الثارات، والذحول، وتستبد بها القبليات والعنعنات، تقلصت من عرصاتها معالم الدين، وتفشت الخرافات، وعبادة الأموات، وساد سلطان الجهل في كل جانب منها ناعق، وفي كل قبيل حاكم، لا نظام يسودهم، ولا شريعة تحكمهم، فانطلق من وادي حنيفة بقلب اليمامة صوت يقول: (يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم). يا قوم إن هذه الأنصاب، والأشجار، وهؤلاء الأموات.. لا تملك لكم ضراً، ولا نفعاً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، يا قوم جاء بها محمد بن عبد الله بريئة من كل شائبة، نقية من كل درن، بيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وما أنتم عليه إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان، اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم، على سنن ما كان عليه أسلافكم إذ كانوا قليلاً مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله، وأيــــدهم بنصره، ورزقهم من الطيبات، فقوبلت هذه الدعوة بالجفاء، والاستنكار من أول يوم، وانتدب لها من أمراء وادي حنيفة رجال كتبت لهم السعادة، وقدر لنفوذهم الانتشار والبقاء، فآزرتها، منهم الدعوة والهداية لمن تجدى فيه الدعوة والهداية، والسيف لمن لا يصلحه إلا السيف، وأخذت في النمو والانتشار، والسمو والازدهار، إلى أن عمّت أرجاء الجزيرة العربية رغم ما واجهها من رد وکید، تولى قيادته سدنة القبور واتباع السياسة، وطلاب الزعامة، فكان المصلح الداعية محمد بن عبد الوهاب، وكان الأنصار والأعوان أمراء آل سعود.. وكانت العاقبة بعد كل نكبة، والكرة بعد كل مصيبة، للمتقين، (ثم جعلنا لكم الكرة عليهم، وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً).

 فالمنصفون يدركون أن دعوة ابن عبد الوهاب رغم مـا واجهها من دعايات مغرضة، وأباطيل مزوقة منمقة، هي الرجوع بالمسلمين إلى دينهم الخالص، في عصوره الزاهية الزاهرة، بريئاً من البدع والخرافات خالياً من التلبيس والتدليس، وحسبها ما يقوله المنصفون عنها:

إذَا رَضيتْ عَنِّي كِرَامُ عَشِيرَتي

فَلا زَالَ غضْبَاناً عَليَّ لئماها

تلك هي اليمامة في عصورها الماضية، أما يمامة اليوم فتحكم الجزيرة على أسس ثلاثة هي: وحدة العقيدة، عقيدة سلفية قائمة على العدل والإنصاف، دستورها القرآن، ونهجها تعاليم الإسلام، ومبدؤها القوي ضعيف حتى يؤخذ الحق منه والضعيف قوي حتى يؤخذ الحق له، ووحدة الصف.

كانت بلدانـا متفرقة وقبائل شتى، ونَزعات متباينة،  كما كانت في عهود الإسلام الزاهرة، وما هو مكسب تنفرد به الجزيرة، ولا عرب الجزيرة، بل مكسب للعرب جمعاء، ونواة للوحدة الكبرى بدأتها اليمامة حينما كان الاستعمار يمزق أوصال العرب، ويشتت شملهم، وقبل أن يوجد دعاة وحدة اليوم، الذين ينبزون اليمامة وغيرها بما ينبزونها به، ووحدة الرخاء والأمن.

فهي الآن تعيش في بحبوحة من العيش، وظل من الأمن قل إن يوجد لها مثيل في بلدان العالم تقدماً وازدهاراً، وأمنـاً ومستقبلاً باسماً، وحياة هانئة هادئة، تغذ السير في كل مرفق، وتدفع عجلة التقدم في كل جانب، وتفتح عينيها على جامعات تغص بألوف الطلبة، ومدارس تزخر بالطلاب ومصانع ومستشفيات، وطرق ومزارع وتجارة، كل ذلك يوجهه ويقود مسيرته فيصل الخير رائدنا وقائد بلادنا المحبوب.

المصدر: اليمامة بين الماضي و الحاضر/ عبدالله بن خميس. مجلة العرب. س 1 ، ع 2 ( شعبان 386هـ ، تشرين الثاني 1966م)، ص 99-110.