بقلم: الشيخ عيسى بن خليفة آل خليفة
في حياة الأمم والشعوب قبائل عريقة لا تزال مستأنفة مسيرتها إلى كل ما هو خير، وكل ما هو حق، وكل ما هو عدل، قبائل تاريخها مليء بالأمجاد غيرت وجه الحياة، وستبقى مستمرة وباقية إلى الأبد من أجل هذه الأمة العريية، ومن أجل عزتها ورفعتها.
ومن هذه القبائل قبيلة الدواسر التي تعتبر من القبائل العربية الكبيرة والشهيرة والمعروفة، والتي لعبت دورًا كبيرًا ومتميزًا في تاريخ منطقة الخليج العربي الحديث، وذلك لما لها من ثقل وطني واقتصادي واجتماعي وديني، حيث ساهمت في بناء الدول العربية في المنطقة التي بدأت بالظهور قبل قرنين بتحالفها مع القبائل الأخرى، وساعد على تحقيق ذلك امتدادها الواسع في شبه الجزيرة العربية.
فمنذ قيام آل خليفة الكرام بفتح البحرين عام 1783م لعب الدواسر دورًا كبيرًا في بنائها معهم، وأسهموا في تشييدها وتعميرها، وتحالفوا معًا، بل وتزاوجوا فيما بينهم، وتربطهم علاقات أخوية وطيدة ضاربة جذورها في التاريخ، وكانت مثالًا للتلاحم والتعاضد العربي الأصيل، وما يثبت ذلك الكثير من الوقائع والأحداث التي قد تغيب عن الباحثين في التاريخ البحريني.
ففي الوقت الذي كانت تسيطر فيه بريطانيا على المنطقة بحكم الاستعمار، فإنها سعت بشكل أو بأخر إلى تحييد القبائل الأخرى التي ساهمت مع العتوب في بناء البحرين الحديثة، وسعت بطرق عديدة إلى إثارة القلاقل والفتن في المجتمع، ولم تكتف بذلك، بل سعت إلى محو وجودها من البحرين، وهو ما فعلته بالضبط مع قبيلة الدواسر.
لذلك، فإنه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على تاريخ وجود قبيلة الدواسر في البحرين، من خلال الاستناد إلى المصادر الموضوعية: والمعلومات الدقيقة.
قبيلة الدواسر من القبائل العربية النجدية في شبه الجزيرة العربية، وهم في النسب فرعان رئيسيان: الأول آل تغلب، والفرع الآخر آل زايد.
ولقد اشتهرت القبيلة بالتجول في نجد إلى حدود العراق، ويقدر عدد بيوتها بـ 500 بيت، وتمتد منازلها من وادي الدواسر إلى الحوطة جنوبي الرياض، وتنقسم إلى قسمين:
-الحضر: وهم الذين يسكنون في قرى الوداعين. (توضيح من الموقع: حسب موروث البدارين، وهم حاضرة الدواسر، كان سكنهم في وادي الدواسر في خيران بالقرب من تمرة، وهي من أماكن سكن الوداعين حاليًا)
-البدو: وينقسمون إلى قسمين: فيئات وشريفات، وهؤلاء البدو يسكنون عادة بين نجد ووادي الدواسر.
وكان الوالي هو المسؤول عن تعيين الولاة على المراكز الصغرى الداخلة ضمن ولايته، وكان الوالي هو صاحب السلطة، ويمثل الخليفة، وهو المرجع الأول في أمور الإدارة.
وفي هذا البحث سنسلط الضوء على أهم الولاة زمن الخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، بالقدر الذي أسعفتنا فيه المصادر والمراجع المتاحة.
على مر السنين شهدت شبه الجزيرة العربية موجات متتالية من الجفاف نظرًا لطبيعتها الصحراوية، وبما أن معظم سكانها من البدو الرحل، فقد دفع هذا المناخ القاسي عددًا من القبائل العريية للهجرة إلى المنطقة الساحلية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، ومنهم العتوب الذين ينتمي إليهم آل خليفة وآل صباح والجلاهمة، وذلك بحثًا عن الرزق والعيش الأفضل.
وعندما اشتد القحط وضاقت السبل وزاد الجفاف، دفعت كل هذه الظروف الدواسر للهجرة تدريجيًا من نجد إلى المنطقة الشرقية لشبه الجزيرة العربية، حيث استوطنوا جزيرة (الزخنونية) الواقعة بمحاذاة العقير في الإحساء بالمملكة العربية السعودية، وتبعد عشرين ميلًا جنوب الجنوب الغربي للطرف الجنوبي لجزيرة البحرين الأم، حيث أقاموا فيها لسنوات عدة.
واللافت للانتباه هنا أن هجرة قبيلة الدواسر إلى المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية لم تكن منتظمة، بل كانت على فترات متقطعة وللأسف، فإن المراجع بهذا الخصوص محدودة، إن لم تكن نادرة لتؤكد، أو تؤرخ بالتحديد للفترة التي حدثت فيها هذه الهجرات، لكن الأسلوب الذي تمت به هذه الهجرات يرجح القول بأن تواجد القبيلة في المنطقة كان قد تم قبل فترات ممتدة منذ فتح البحرين، وكانت أعداد منهم قد رحلت إلى شبه جزيرة قطر والزبارة حيث كان يقيم آل خليفة، لتبدأ مرحلة جديدة في العلاقات بين الدواسر وآل خليفة، ساهمت لاحقًا في التحالف والتعاضد لفتح البحرين.
مع تطلع آل خليفة وحلفائهم من القبائل العربية في الزبارة إلى فتح جزر البحرين، فقد حرصوا على أن يكون تحالفهم قويًا يضم مجموعة من القبائل التي ترتبط معها بعلاقات قوية، وكان من ضمنها بطبيعة الحال قبيلة الدواسر، حيث استعان آل خليفة بأبناء القبيلة وشاركوا جميعا من داخل شبه جزيرة قطر في فتح البحرين، واستسلمت خلال المعركة الحامية الفارسية في حصن المنامة في 29 يوليو 1783م.
ويذكر أن أبناء قبيلة الدواسر قد أبلوا بلاءًا حسنًا خلال المعارك التي دارت لفتح البحرين، وهو ما جعلهم أصحاب قوة ونفوذ كبيرين في البحرين لاحقا، وبما أن للدواسر تواجد في جزيرة الزخنونية، فقد انتقلوا إلى البحرين مع فتحها، وبذلك لم ينتقل الدواسر إلى البحرين في هجرتهم الأولى من نجد دفعة واحدة، والأرجح أنهم توافدوا في دفعات، أهمها وأخرها كانت تلك الدفعة التي شاركت في فتح البحرين، واستقرت في البديع وعمرتها لسنين طويلة، وعلى الرغم من روايات يعض المؤرخين التي تفيد بأن هجرة قبيلة الدواسر من شبه الجزيرة العربية إلى البحرين كانت عاء 1845م، إلا أن هناك حقائق تاريخية تشير إلى أن الهجرة حدثت بالفعل قبل هذا التاريخ بكثير، والدليل على ذلك:
-مشاركة قبيلة الدواسر مع آل خليفة والقبائل العربية الأخرى في فتح البحرين.
-تواريخ ميلاد كبار رجالات القبيلة مثل أحمد بن سعد الدوسري المولود في الزلاق بالبحرين سنة 1258هـ الموافق 1842م، وكذلك حسن بن سعد الدوسري المولود في نفس العام.
-الدور الكبير والمؤثر الذي لعبته القبيلة في تاريخ البحرين الحديث وفتح آفاق جديدة وحياة متطورة وتأسيسها لقرية البديّع وتعميرها لها.
وبناء على ذلك، فإنه لا يمكن التشكيك في وجود القبيلة بالبحرين الذي يسبق فتحها بفترة، لأنهم انتقلوا من نجد على فترات، ومنهم من استقر في الزخنونية، ومنهم من استقر في الزبارة، وآخرون استقروا في البحرين، أي قبل تاريخ الفتح بمدة.
عندما جاء الدواسر إلى البحرين قبل الفتح الخليفي، أسسوا البديع وهم من أطلقوا عليها هذا الاسم نسبة لمسقط رأسهم في نجد، حيث توجد قرية (البديع)، والتي تقع في أقصى الجنوب في منطقة الأفلاج داخل نجد، وتشتهر القرية بمزارع النخيل، والأرض الزراعية، وكان عدد سكان البديع النجدية حوالي 3000 نسمة، كلهم من الدواسر.
ومن التسميات المماثلة أيضًا، والتي اهتم بها الدواسر وأكدها كل من لوريمر ومحمود شكري الألوسي في كتابه تاريخ نجد، تسمية أحياء البديع القديمة، حيث كانت من ضمن قرى وادي الدواسر بنجد (الدام) و(البديعة)، وعندما أسس الدواسر البديع كانت بها ثلاثة أحياء، أطلقوا عليها: فريج العمامرة، وفريج الدام، وفريج البديعة، على حسب قراهم في نجد، ويتحدث لوريمر عن هذه الأحياء فيقول: “إن فريج البديعة هو أقدمها، ويقع في أقصى جنوب المدينة، وفيه برج ملحوظ”.
تلك كانت المسميات، أما العمران فعندما وفد الدواسر إلى البديع قاموا بتعميرها فكان لهم 800 منزل، والعمامرة 100منزل، وللهولة 50 منزلًا، وكان العدد الكلي للسكان 8000 نسمة، ومعظم سكان أحياء البديعة والدام من الدواسر الذين ياتون بمياههم من الآبار في مزارع النخيل من قرى الدراز وبني جمرة.
وانشأ الدواسر في البديع ثلاث مدارس نهارية يديرها رجال الدين (المطاوعة).
خلال مجاورة قبيلة الدواسر لآل خليفة في الزبارة أتقنوا ركوب البحر والأعمال البحرية من غوص وملاحة كغيرهم من القبائل النجدية، الأمر الذي جعلهم يشتغلون بتفوق وبنجاح لافت للانتباه في أعمال البحر عندما سكنوا البديع.
وكان من أكثر أعمالهم البحرية: الغوص بحثا عن اللؤلؤ، وكانت لديهم مراكب كثيرة، وكان من بينهم نواخذة كثيرون، اشتغلوا بالتجارة البحرية، وامتلكوا المراكب الكبيرة والصغيرة، وقد بلغ عددها 144 مركبًا، وأصبح مرفأهم في البديع ثالث أكبر مرفأ في البحرين.
أما عملهم في مجال الزراعة، فكان أكثره في مزازع النخيل التي امتلكوها في البديع.
إن الحديث عن تأسيس البديع يستدعي إلقاء الضوء على علاقة الدواسر وتواجدهم بالزلاق حيث أنشاوا بها 200 منزل من الطين كلها للدواسر الذين كانوا يعملون في صيد اللؤلؤ.
وتعتبر قرية الزلاق أهم مكان في المرتبة الثانية بالنسبة للدواسر في البحرين، وكانت توجد بها قلعة مهدمة، و23 مركبًا، استعملوها لصيد اللؤلؤ، وبذلك يكون عدد منازل الدواسر في البديع والزلاق 1000 منزل.
وكان لنشاطهم هذا بطبيعة الحال أثر في ازدهار الحياة الاقتصادية للبحرين، ودوران عجلة التطور والنماء في ذلك الوقت، ولذلك نالوا ورضا حكامها من آل خليفة الذين وجدوا فيهم مواطنين عاملين ومنتجين محبين للخير ومشهود لهم.
بعد انتهاء قبيلة الدواسر من تاسيس البديع وتعميرها، توجهوا لممارسة دور أكبر داخل البلاد وفي المنطقة، خاصة مع وجود شعب من دواسر البحرين في منطقة الساحل الإيراني، ففي عام 1909م نشب خلاف بين بريطانيا والدولة العثمانية حول ملكي جزيرة الزخنونية، وهي التي كانت إحدى المحطات الرئيسية للدواسر في هجراتهم المتتالية، وبعد فتح البحرين كان شيوخ الدواسر مع يعض عتوب
البحرين يزورون الزخنونيقٌ في بعضي المناسبات كالصيد مثلًا في الشتاء، وقد بنى فيها الشيخ علي بن خليفة آل خليفة قلعة منذ أكثر من 130 عامًا لم يتبق منها الآن سوى أطلال وإثر نشوب الخلاف قام الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين حينئذ بدور كبير في معالجة الخلاف بمساعدة عبدالله بن حسن الدوسري شيخ
الدواسر في البحرين، حيث تمكنوا من طرد الحامية التركية التي احتلت الجزيرة، الأمر الذي أشار إليه المقيم السياسي البريطاني في بوشهر اللفتنانت بيرسي كوكس في خطابه إلى حكومة الهند في 30 أبريل 1911م.
شارك شيوخ قبيلة الدواسر في الحركة الوطنية التي شهدتها البحرين مطلع القرن الماضي في مواجهة المستعمر البريطاني إلى أن تم تشكيل المجلس العرفي، وقام الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين بتعيين عبدالله بن حسن الدوسري شيخ الدواسر في البحرين عضوًا فيه يوم 22 يناير 1920م، وبهذا السجل التاريخي الحافل والمليء بالإنجازات، أسس الدواسر البديع، وأصبحوا من أكثر القبائل العربية بعد العتوب عددًا ونفوذًا، وتعتبر قبيلتهم الثانية بين قبائل البحرين من حيث الأهمية السياسية وهذا يعود بالدرجة
الأولى لثرائهم النسبي الذي اكتسبوه من التجارة، واتحاد كلمتهم وطاعتهم لرؤسائهم، وسلوكهم الحسن في البلاد وتاريخهم المزدهر.
في عام 1923م حدث ما خشيت منه قبيلة الدواسر في البحرين، حيث قام الإنجليز بفرض ضرائب عليهم، وعارض الدواسر هذا التدخل حين تعرضوا لضغوط مست مصالحهم، كما كانت لهم مطالب معينة أيدها شيخ البحرين ورفضها المعتمد السياسي البريطاني.
بعد ذلك شهدت البلاد اضطرابات نتيجة للتدخل البريطاني، وتمت معاقبت الدواسر بفرض غرامة مالية قدرها ١0 الآف روبية على شيخ القبيلة، وتم دفع الغرامة وعلى إثر ذلك فضلت القبيلة الهجرة حيث قام الشيخ أحمد الدوسري وعدد كبير من أفراد قبيلة بالهجرة من البحرين إلى الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي أعطاهم الأراضي في ساحل القطيف والجييل بالمملكة العربية السعودية، وأمدهم بالسلاح والمال، لكن طلب الشيخ أحمد الدوسري اتخاذ الدمام سكنًا لهم، وتمت الموافقة على طلبه، لينتقل ثلثا الدواسر من البحرين إلى هناك، فقد خرجت 6000 عائلة من أصل 8000، بقي الشيخ عيسى بن أحمد الدوسري، ومعه بقية القبيلة في البحرين، ويذكر الشيخ حمد بن عيسى ين راشد الدوسري أن الهجرة تمت في يوم الجمعة 12 يوليو 1923م.
تتلخص أسباب هجرة قبيلة الدواسر من البحرين إلى الدمام في محاول حكومة الهند البريطانية، التي كان يتولاها مستشار حكومة البحرين في تطبيق قوانين الهند البريطانية في القضاء والضرائب وإدخال إصلاحات جديدة لأنظمة الغوص والإدارة المالية والشرطة والتعليم، الأمر الذي كان يمس الامتيازات التي كانت تتمتع بها القبيلة في البحرين، وفي نفس الوقت كان قيام الميجر ديلي بانقلاب أبيض على حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة سببًا في دفعهم للنزوح عن البحرين غضبًا لعزل الحاكم، فسكنوا الدمام.
ومع قيام قبيلة الدواسر بالهجرة، توجس البريطانيون من هذه الحركة، خاصة مع قيام الملك عبدالعزيز آل سعود بدعمهم ماليًا، وتزويدهم بالسلاح، فاصدر المعتمد السياسي البريطاني قرارًا بمصادرة كافد أملاك القبيلة، بما فيها الجزء المتبقي منها في البحرين، وعددهم 1000 رجل، وأعطى الدواسر مهلة عشرة أيام ليقرروا فيها مصيرهم، وإلا طرد الباقين، كما تم التهديد بقصف البديع إذا لم يعد المهاجرون.
ويبدو أن الإنجليز قد راجعوا موقفهم، وراؤا أن إبعاد الدواسر عن البحرين فيه إضعاف للحركة الوطنية المناهضة لسياستهم، وبهجرتهم يتم الاستغناء عنهم نهائيًا، مما يفت في عضد رجال الحركة الوطنية في البحرين، وفي نفس الوقت كان الإنجليز يخشون من الدعم الكبير الذي كانوا يحظون به من الملك عبدالعزيز، فمارسوا ضغوطًا عليه لوقف الدعم للدواسر، حتى أصابه المرض في تلك الفترة وبالتحديد في مارس من العام 1924م.
خلال فترة هجرة قبيلة الدواسر من البحرين، ظلت البديع مهجورة، ولم يسكنها سوى فئة قليلة من السكان، وقد حاول الإنجليز إقناع شيخ البحرين بإسكان أهل القرى المجاورة فيها، وبيعهم بيوت وممتلكات الدواسر من الأراضي والمزارع بأثمان رمزية، بغية تكريس هجرتهم، وقطع خط الرجعة عليهم كي لا يفكروا، أو يتمكنوا من العودة نهائيًا، لما في ذلك من خدمة لصالح الإنجليز، وتحقيق لأغراضهم وأطماعهم الاستعمارية في البحرين، وسائر المنطقة، ولم يوافق حاكم البحرين على هذه المطالب حرصًا منه على عدم التفريط بجزء من سكان البلاد وشعبها، ولسابق فضلهم في فتح البلاد، ونشاطهم الاقتصادي من زراعة وتجارة وأعمال غوص، وأيضًا استجابة للدواعي القومية، وانسجامًا مع الخلق العربي الأصيل.
وبسبب هجرة الدواسر من البديع، تعطلت حقولها ولم تعد صالحة للزراعة إلا بعد استصلاح كما إن آبارها غيضت، وآلت مبانيها للخراب، وأفادت بعض الروايات، بأن قسمًا من الدواسر قد عاد إلى البديع بعد عامين من الهجرة، أي في عام 1925م.
بعد فترة من الزمن اكتشف الدواسر من خلال تجربتهم الخاصة بترك البحرين، أنهم فقدوا أشياء كثيرة، فقلت مواردهم، وتبددت ثروتهم، خاصة مع قيام الإنجليز بتسريح الغواصين العاملين لديهم في البحرين، ووضعهم في حل من رد الديون إليهم، والسماح لهم بالتعاقد مع نواخذة جدد، وقيامهم بمصادرة أملاكهم وبيعها، ومنعهم من استخدام مغاصات البحرين، والتزود من مياه نبع خور فشت.
لذلك طلب الدواسر من الشيخ قاسم بن مهزع قاضي البحرين التوسط للمساعدة في أمر عودتهم إلى البحرين، التي تركوها عام 1923م لدى المعتمد السياسي البريطاني، وذلك مما يؤكد عدم انقطاع اتصالاتهم بالقيادات الوطنية في البحرين، ورغبتهم في العودة إليها حيث كان حبل التواصل مستمرًا، وفي سبتمبر عام 1926م قام وفد من شيوخ الدواسر بزيارة البحرين منتهزين فرصة تواجد المقيم السياسي في بوشهر بالبحرين، وكان الوفد يتألف من ثلاثة من شيوخ الدواسر، هم: الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم الدوسري، والشيخ حسين بن سعد الدوسري، والشيخ أحمد بن عبدالله بن حسن الدوسري، والتقى الوفد بحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الذي رحب بهم وبعودتهم، ثم التقى المقيم السياسي الذي وافق على العودة بشروط قاسية رفضها الوفد، ومن ثم تمت العودة بشكلها النهائي إلى موطنهم الأول البحرين في العام 1928م.
لا شك أن العهد الإصلاحي الذي أرسى دعائمه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى منذ توليه سدة الححكم في البلاد، قد أحدث تغيرات كيبيرة، ومناخ انفتاحي وتصالحي على كافة المستويات، وكانت هناك محاولات لرجوع قبيلة الدواسر إلى بلدهم الأصلي البحرين، وبالفعل فقد عاد منهم الكثيرون، وهم موضع ترحيب من جلالة الملك الذي أشاد في أكثر من مناسبة بمواقفهم الوطنية، وبدورهم التاريخي الراسخ والمتميز في بناء مملكة البحرين مع إخوانهم وأشقائهم من المواطنين والعوائل البحرينية، وليس بغريب وجديد بأن يحملوا اسم البحرين، فهم بحرينيون من الأصل، ولهم مساكن في البحرين وفي الدمام على نفس القدر، ولهم تجارة ومصالح هنا وهناك، واستثماراتهم الكبيرة وإنجازاتهم الضخمة والتي انعكست ازدهارًا على الاقتصاد المحلي، ولهم الدور الريادي في تحريك قاطرة التنمية المحلية في شتى مجالات البناء والإصلاح.
أثنى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وفي أكثر من مناسبة على الدور الوطني والكبير الذي تقوم به قبيلة الدواسر مع يقِية العوائل البحرينية، في إبراز ورفعت اسم مملكة البحرين في كافة المحافل، مشيدًا بدورها التاريحي في مسيرة التنمية والازدهار، حيث إنهم يشكلون جزءًا هامًا وعزيزًا من النسيج الوطني في مملكة البحرين.
كيف لا وأبناؤهم معروفون بحب العلم والمعرفة، ومساهمون بشكل واضح ومؤثر في بناء البحرين الحديث ورفعتها، وسموها ورقيها بدءًا من أجدادهم الكبار، وحتى أبناء ورجال الجيل الحالي، الدواسر رجال ظلوا أوفياء مخلصين لوطنهم وشعبهم.
المصدر: قبيلة الدواسر في البحرين: ضوء يشع في التاريخ/ عيسى بن خليفة آل خليفة. الوثيقة، العدد 64، السنة 32، شعبان 1424هـ يوليو 2013م. مركز عيسى الثقافي. ص ص 124-135.