مقابلة الدكتور عبدالرحمن الشبيلي مع أمير الخبر السابق عبدالعزيز بن ماضي المزروعي التميمي رحمه الله في برنامج شريط الذكريات في 1977/1/4م
أهم المعلومات التي ذكرها:
– إقليم سدير سابقاً يشمل الزلفي والغاط.
– سمي سدير باسم رجل أسمه سدير.
ذكرت بعض المصادر أن إطلاق مُسمّى (وادي سدير) على (وادي الفقي) جاء على اسم شخصية كان لما دور كبير في وادي الفقي؛ وأول من ذكر ذلك من المصادر المحلية كتاب (امتاع السامر) تأليف شعيب بن عبدالحميد الدوسري.
وقد تضمّن الكتابُ ذكر حدث تاريخي فيه إشارة إلى سبب تسمية منطقة (سدير) بهذا الاسم الذي يعتبر غائبًا عن التّدوين عند مؤرخي نجد كما ذكرنا ذلك سابقاً. وقد اختلفت الأراء في كتاب (الامتاع) وصاحبه. بين مادح وقادح، وبين ناقل عنه للاستدلال ومنتقداً له للأبطال، وبين مشيد بما فيه وبين ذام لكل ما اشتمل عليه.
وقد قامت دارة الملك عبد العزيز بطبع الكتاب ونشره متضمناً في الهامش التحقيق والنقد والتعليق على ما ورد فيه من معلومات تاريخية عن البلدان والقبائل، وقد بين فيه المحققون الأخطاء والمغالطات التى وقع فيها المؤلف، وتمت طباعة الكتاب في جزئين: الأول في سنة 1419هـ، والثاني في سنة 1427هـ، وهذا الكتاب تدور حوله شبهات تزوير.
ونقلَ عن (الإمتاع) بعض المؤرخين والباحثين مثل: العلامة محمود شاكر في كتابه (التاريخ الإسلامي) وعبدالله بن على بن مسفر في كتابه (أخبار عسير). بالإضافة إلى أنه أحد مراجع الشّيخ حمد الجاسر في كتابه (جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد) وغيرهم.
وقد أبدى الشيخ حمد الجاسر إعجابه بخيال مؤلف كتاب (امتاع السامر) لتمكنه من إيراد أشعار كثيرة شواهد على ما يوردها من أخبار أو يؤرخ من رجال ويذكر من حوادث، مما يدل على سعة اطلاع الناظم ومعرفته بالمواضع والقبائل التى يتحدث عنها، ثم قال: “أما ما يورده من أصول أنساب القبائل ويفرعه من ذكر أسر يصلها بتلك الأنساب فمن الأمور التى تستدعي الحيرة وتثير الدهشة، لاتساع ذاكرته لأنساب القبائل ولمساكنها، ولصلات بعضها ببعض بصرف النظر عما يورده من خلط في ذلك”.
ولكن الباحث المتجرد يتحتم عليه النظر بعقلية متوازية في كل مصدر ينقل معلومة، أو يدلي بفائدة تضيف شيئًا جديدًا إلى فهمه أو بحثه، فيعمل على تحقيقها ونقدها وسبر غورها.
ومؤلف (إمتاع السّامر) يسجّل بعض الأحداث التى وقعتْ في نجدٍ وغيرها في فترةٍ زمنية لم يبدأ التدوين فيها لدى مؤرّخي نجد إطلاقاً ،وكما ذكرتُ سابقا أنه لم يصلنا في تاريخ نجدٍ كتاب يصف ما وقع فيها من أحداث ما بين القرن الخامس إلى القرن العاشر الهجري.
وبما أنّ (سدير بن عامر بن زياد بن بدران) من الشّخصيات التى ذكرها صاحب الإمتاع، ونسب تسمية وادي سدير إليه، فهذا تحقيق ونقد مختصر على الأحداث المتعلقة بسيرة هذه الشخصية.
ومضمون هذا المبحث لا يعني الموافقة المطلقة للمؤلف وتأييده فيما تفرد به عن غيره، بل هي مقاربة وتمحيص لحقيقة هذه الشخصية، ونقدٍ بنَاءٍ للمعلومات الواردة حولها، وبعض الباحثين يعتبر هذه الرواية أقرب للخيال، ولكن هذا لا ينفي أنه قد يكون لها أصلاً مع عدم وجود المعارض لا من كتب عن تاريخ نجد خلال القرن الثامن الهجري من داخلها وخارجها.
النص الوارد في امتاع السامر عن (سدير بن عامر بن بدران) في مواجهة الجروانيين في اليمامة:
قال مؤلف الإمتاع – مختصرا- في القسم الأوّل من طبعة الدارة 1419هـ التي اعتمد في تحقيق الكتاب على طبعة الحلبى مصر الصادرة في 1365هـ:
دخلت قبائل بنى عقيل وادي الدواسر (العقيق) عام 780هـ. أيام الأمير عبدالرحمن بن عبد الوهاب بن غانم بن صقر، وكانت قبائل بني عقيل بقيادة سعد بن مبارك العصفوري العامري، وذلك من أجل السّيطرة على جنوبي نجد وإلحاقها بدولة بنى جروان، وأنظم إلى سعد المذكور قبائل متعدّدة أهمها بنو خالد المخزومية. وتمركز بقواته بالبدع في الوادي. فاستنجد أمير الدواسر عتبة بن عيسى بن علي التغلبي وناهض بن مسافر بن عيد بن مدار الجميلي بالأمير عبدالرحمن أمير عسير فأنجده بعامر بن زياد وماعز الطيار المسردي ومحمد بن علي الملاطي، فتوجه هؤلاء القادة بمن معهم من قبائل لدعم التغلبي القضاعي، والتحموا بقوّات بنى جروان في نجد الجماد أسفل وادي العرين، وتمكن عامر ومن معه من القضاء على العصفوري قتلاَ وأسراً حتى امتلا ميدان المعركة بالدماء، وسميت هذه الحادثة بنجد الدّم، وتمركز عامر بن زياد في وادي الدواسر، وأوكل إليه الأمير عبد الرحمن بن غانم إمارتها، وأفرز قوة أكثرها من باهلة مع ابنه سدير بن عامر بن زياد لمطاردة فلول العامريين والسّيطرة على اليمامة، والعرض لضمّها للأمير عبد الرحمن بن غانم بن صقر، فتوجّه سدير بمن معه حتّى استقرٌ في وادي الفقى، وتغلّب على بني عائذ بن سعد العشيرة، حيث كانوا يسيطرون على المنطقة، وتغلب سدير بن عامر على ما حوله من قرى باسم الأمير عبد الرحمن بن غانم، وسمّي الوادي باسمه – سدير – وسكن في أعلاه، وابتنى قلعة سمّاها الحوطة نسبة إلى مقرّهم الأصلي'”. أهـ مختصراً
وقد علق المحققون للكتاب على هذه الحادثة ونقدوها بقولهم: أن وادي سدير عرف بهذا الاسم قبل القرن الثالث الهجري، واستدلوا بما نقله ياقوت في معجم البلدان عن الحفصي أن (ذو سدير قرية لبني العنبر) كما ذكر ذلك حمد الجاسر في رده على هذه الأسطورة – حسب تعليقهم – في جريدة الجزيرة في ١9 صفر 1414هـ، ثم ذكروا ما قاله
ابن بليهد في كتابه (صحيح الأخبار) أن اسم هذا الوادي سدير كان منذ القدم، وأورد ما يؤيد ذلك من الشعر الجاهلي.
ولعل من المفيد الإشارة إلى أن هذه الحادثة وردت في الجزئين الذين طبعتهما الدارة، (ط 1419هـ، ط 1427هـ)، وبينهما اختلاف في عدة نقاط، ويظهر لي – والله أعلم - أن النص الذي أوردناه من طبعة 1419ه أكثر دقة ووضوحاً في السرد التاريخي، وموافقة لما ورد في بعض المصادر التاريخية مما تضمنه من معلومات، وهي كما يلى:
1. في طبعة 1419هـ أن زمن المعركة (780هـ) وفي طبعة 1427هـ (717هـ).
2. في طبعة 1419هـ أنّ اليمامة كانت تحت نفوذ الجروانيين، وفي طبعة 1427هـ تحت نفوذ من سماهم آل زياد رؤساء البصرة. وهؤلاء ليس لهم وجود في البصرة خلال تلك الفترة.
3. في طبعة 1419هـ أن أمير عسير عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن غانم؛ وفي طبعة 1427ه غانم بن صقر بن حسان، وهذا جد متقدم لأمير عسير في القرن السابع الهجري.
4. في طبعة 1419هـ أن المعركة بقيادة سعد بن مبارك العصفوري العامري من قبائل بني عقيل التابعين لدولة بني جروانء وأمّا في طبعة 1427ه بقيادة الوالي على وادي الفقى عباد بن أبان بن إبراهيم بن عبد الله بن عمر الزيادي من بني زياد بن أبي سفيان رؤساء البصرة، وهذا الوالي وبنو زياد ليس له ذكر في تاريخ البصرة أو البحرين.
5. في طبعة 1419هـ أنّ سبب المعركة محاولة الجروانيين السّيطرة على جنوبي نجد وهزيمتهم في المعركة أمام عامر بن زياد ومن معه من قادة آل يزيد (حكام عسير)، وأمّا في طبعة 1427ه فلم يرد ذكر للمعركة وإِنْما تم الاستيلاء على وادي الفقي بدون ذلك.
6. في طبعة 1419هـ أنّ الذي يسيطرٌ على اليمامةٍ في زمن سدير بن عامر بنو عائذ بن سعد العشيرة الذين منهم بنو عطية وبنو مزيد وبنو يزيد ويخضعون لإمارة بني جروان. وأمّا فى طبعة 1427هـ فالذي يسيطر على اليمامة هم الزياديون رؤساء البصرةٍ، وقد ذكرنا سابقاً أن هؤلاء ليس هم ذكر في تاريخ البصرة.
المصادر التى ذكرت (سدير بن عامر):
لم أجد لهذه الشخصية التاريخية ذكراً بالإضافة إلى الإمتاع – حسب ما أطلعت عليه – إلا في بعض المصادر المعاصرة التى تتحدّث عن الأنساب، الغياب التاريخي لشخصية هذا الأمير (سدير بن عامر) في المصادر الأخرى التى تتحدث عن فترة إمارة العصفوريين والجروانيين لمنطقة اليمامة لا أظنه مسوغاً لنفى هذه الحادثة، أو انكار وجود هذه الشخصية، وقد يأتي الوقت المناسب الذي تظهر فيه المصادر والوثائق التاريخية المخطوطة والتى تتضمن هذه الأحداث وغيرها من مغيبات التاريخ؛ وكما يقول العلماء: أن الاستدلال بعدم وجود إشارة لشيء معين؛ لا يعنى انعدام هذا الشيء؛ وإلا لو صح لنا هذا الاستدلال فإن أغلب الأشياء لا نعلمها ولا نعلم بوجودها، فهل يعنى عدمها أو استحالة عدم وجودها.
وعموماً فإن حادثة مواجهة (سدير بن عامر بن بدران) للجروانيين تعتبر منقبة عظيمة وشرف كببر لهذا القائد المجاهد الذي واجه إرادة التمدد في وسط نجد.
-ما ذكره البشرى في تعليقه وتحقيقه لرسالة إبراهيم الحفظي في كتاب (تاريخ عسير) أن البدارين الدواسر بقيادة الأمير سدير بن عامر قاموا بحماية منطقة نجد من التمدد العامري .
-ذكر د. إبراهيم الأحيدب في كتابه (جلاجل) أن اسم (وادي سدير) نسبة إلى سدير بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن غائم بن صقير الذي ارسله والده للسيطرة على المنطقة، فاستقر في وادي الفقيء، وتغلب على القبائل الموجودة به وسمى الوادي اسمه سدير. ويتبين لنا خطأ المؤلف في نسبة (سدير بن عامر) إلى أمير عسير (عبد الرحمن بن عبد الوهاب).
-في مقابلةٍ تلفزيونيّة أجراها. (د. عبد الرحمن الشبيلي) عام 1397هـ في التلفزيون السعودي مع الشّيخ عبدالعزيز بن ماضي (أمير الخبر) سابقاً، أشار فيها إلى أن وادي سدير (وادي الفقى) سمي باسم شخص اسمه سدير وكان أميرأ قوياً، واكتفى بذلك دون تفصيل.
-يذكر أ. عبد الله بن محمد البابطين (في مقال كتبه عن إقليم سدير) أن بعض المؤرخين يرون أن الاسم جاء نسبة إلى سدير بن عبدالرحمن بن عبد الوهاب بن غانم بن صقير الذي أرسله أبوه للسّيطرة على المنطقة، فتغلب على القبائل الموجودة بها ثم استقر بوادي الفقي فسمّى باسمه، ولم يعلق الكاتب على ذلك. ويتضح خطأ الكاتب أنه نقل نسب سدير بن عامر بن بدران إلى (أمير عسير) عبدالرحمن بن عبد الوهاب. من كتاب (جلاجل) للدكتور إبراهيم الأحيدب.
-ذكر د. عبد الله بن إبراهيم التركي في دراسته عن (الحالة العلمية في منطقة سدير) أنّ العرب (تطلق سدير على وادي الفقي) كما أنها تطلق وادي الفقي على سدير، ولما ذكر سبب التسمية قال: ويطرح يعض الباحثين رأيا مفاده أن اسم (سدير) نسبة إلى سدير بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن غنام بن صقير الذي أرسله والده للاستيلاء على المنطقة، فاستقرٌ بوادي الفقي واستطاعً أنّ يتغلب على القبائل الموجودة فيه، لذا سمي هذا الوادي باسمه سدير). ثم علق بقوله: وهذا الرأي يحتاج إلى دليل؛ إذ ورد اسم سدير والفقي اسما لمنطقة واحدة منذ العصر الجاهلي. ونلاحظ في كلام د. التركي أنه كرر خطأ بعض الباحثين وهو نسبة سدير بن عامر إلى عبدالرحمن بن عبدالوهاب (أمير عسير). وقد علق الباحث أ. إبراهيم الحقيل على كلام د. التركي بأن العرب تطلق سدير على وادي الفقي، كما أنها تطلق وادي الفقي على سدير؛ فقال الحقيل: (هذا كلام موهم بأنّ العرب تعاقب بين الاسمين، أو أنه موضع له اسمان ولم نجد ذلك فيما نقل لنا عن العرب، فسدير قرية أو موضع نما حتى شمل الفقي، والفقي وادٍ يسمّى حتّى الآن بهذا الاسم.
وقفة: يلاحظ فيما سبق أن بعض الباحثين تكرر منهم الخطأ في نسبة (سدير بن عامر) إلى (عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن غانم بن صقر) الذي تولى إمارة عسير من سنة 766هـ حتّى سنة 787هـ. وهذا الخطأ جاء بسبب نقل بعضهم من بعض.
هذا مجمل ما اطلعت عليه عن شخصية (سدير بن عامر بن بدران) التي ذكرت في بعض المصادر المحلية المعاصرة) ولعل الزمن القادم يمكّننا أكثر عن محفوظات تاريخية نتعرف من خلالها على تاريخ بلادنا ورجالًا في القرن الثامن الهجري.
المصدر: وادي سدير: دراسة في المصادر البلدانية والتاريخية/ إبراهيم بن محمد بن عبدالله الخميس، 1442هـ.
تنويه:
المصدر أعلاه ذكر فرضيات أخرى لتسمية سدير، لا يسع المجال لذكرها، ونقل جميع ما ذكر في الكتاب ربما ينتهك حقوق الملكية الفكرية، لذا من أراد الاستزادة حول هذا الموضوع يمكن له الرجوع للمصدر.