الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف رجاله هذا الكلام مما ينقل عن علي رضي الله عنه، والحق ما وافق الدليل من غير التفات إلى كثرة المقبلين، أو قلتهم، فالحق لا يعرف بالرجال ولا يوزن بهم، وإنما يوزن الرجال بالحق، ومجرد نفور النافرين، أو محبة الموافقين لا يدلّ على صحة قول أو فساده، بل كل قول يحتج له، خلا قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يحتج به.
وكثرة الأتباع ليست دليلًا على صدق الدعوى، كما أن قلة الأتباع ليست دليلًا على ضعفها أو فسادها، ففي الصحيحين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد” الحديث.
ولهذا قال بعض السلف: عليك بالحق ولا تستوحش من قلة السالكين، وإياك والباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.
ولهذا فإنه من غير المستساغ لمسلمٍ أن يحتج على عمله بكثرة الفاعلين له، فانتشار التطرف والإرهاب المذموم، واستخدام العنف من قبل الطوائف المختلفة لنشر مذاهبها وآرائها، كل ذلك ليس دليلًا على مشروعيتها، لأن العبرة بموافقة الدليل لا بالكثرة.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسلك في دعوته سبيل الحكمة والبصيرة، وهما بمعنى موافقة الحق، وألا يهتم بتجميع سواد الناس إذا كان في ذلك مجانبة الحق، ولننظر إلى ذلك التوجيه الرباني لمحمد صلى الله عليه وسلم، ففي آخر سورة يوسف بين الله له أنه ليس مكلفًا بأن يدخل الناس كلهم في دين الله فقال سبحانه: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف، الآية ١٠٣) ثم بعدها ببضع آيات يبين الله له ما هو مكلف به وهو أن يسلك مسلك البصيرة، فقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف، الآية: ١٠٨) ، وفي سورة النحل يقول سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل، الآية ١٢٥) ، فالمؤمن ليس مأمورًا بأن يُدخل الناس في دين الله بالقوة، وأجره عند الله ليس مبنيًا على ذلك، بل هو مأمور بتبليغ الرسالة ويؤجر على قدر موافقته للهدي الرباني، حتى وإن لم يستجب له أحد، ولهذا كان الرسل أفضل البشر مع أن بعضهم يأتي يوم القيامة ولم يؤمن معه أحد.
الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف رجاله
المصدر: فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب/ يوسف بن عبد الله الشبيلي. وزارة الأوقاف السعودية. ص ص 26-28