لابد للحديث عن التاريخ من عرض وثائق واضحة وصريحة، فلا يقبل أن يتحدث أحد عن تسلسل تاريخي أو أحداث دون أن يدعمها بوثائق أو مصادر تاريخية، ولكن كون تاريخ نجد مر بعصور لم توثق تاريخياً، فيقبل أن تذكر الروايات الشفوية، مع بيان أنها روايات شفهية متناقلة، إلى حين بروز ما يثبتها أو ينفيها، أو يثبت بعضها وينفي البعض الأخر، وفي حال ظهور وثائق تثبتها أو تنفيها، فالواجب عرض هذه الروايات على ما ثبت من وثائق فما وافقها فيذكر، وما نفاها فينفى.
وما سنذكره هنا عن البدارين الدواسر هو روايات تحتاج إلى تثبت ودراسة وتمحيص، وورد بعضها في مصادر متأخرة، لذا يمكن الاستئناس بها إلى حين خروج دراسات علمية معتبرة، أو وثائق.
يرتبط أول استيطان للبدارين عموماً في شمال نجد بالحملة التي قادها الأمير سدير بن عامر بن بدران في أواخر القرن التاسع للهجرة لجيش والده شيخ الدواسر الأمير عامر بن بدران لمطاردة بني عائذ بن سعد العشيرة، بعد موقعة وادي العرين، والتي سميت بحادثة (نجد الدم)، فاستطاع التغلب عليهم والاستيلاء على وادي الفقي ليطلق عليه بعد ذلك وادي سدير. (1)
(لمزيد من المعلومات حول ذلك يمكن الرجوع لكتاب: وادي سدير: دراسة في المصادر البلدانية والتاريخية/ إبراهيم بن محمد بن عبدالله الخميس، 1442هـ)
وهناك العديد من المصادر التاريخية تساندها الروايات الشفهية تحدثت عن تواجد البدارين الدواسر (آل عامر، آل بن خميس، وآل راجح) بعودة سدير في القرن العاشر للهجرة، لينتقل بعده (آل بن خميس وآل راجح) لجلاجل، ومن ثم انتقل السدارى للغاط، وفي مرحلة لاحقة انتقل (العمر) من عودة سدير إلى روضة سدير منتصف القرن الحادي عشر للهجرة (حسب مالدينا ولديهم من موروث).
ويذكر بعض مؤرخي البدارين الدواسر استناداً لروايات شفهية – لا توجد مصادر وثائقية معتمدة – أن النزوح الأول للبدارين كان في أواخر القرن التاسع للهجرة تقريباً، والنزوح الثاني والأخير كان في أواخر القرن العاشر للهجرة، ليكونوا مع أبناء عمومتهم الذين نزحوا سابقاً لإقليمي سدير والمحمل.
ومن جانب أخر يذكر فيلبي في كتابه الذكرى العربية أن راجح بن عامر هو أول من هاجر من أسرة السدارى من وادي الدواسر إلى بلدة عنيزة في القصيم، وأن ابنه محمد انتقل من القصيم ليستقر في بلدة العودة في سدير، وهو أول من لقب بالسديري، كما أن ابنه علي كان أول من استقر في بلدة الغاط في حدود عام 968هـ، ومنذ ذلك الحين أصبحت بلدة الغاط مستقراً لأسرة السديري وموطناً لها ولهم فيها الإمارة. (2)
كما أورد أحمد بن حسن بن عبد الله النعمي (محقق مذكرات متصرف عسير الفريق سليمان شفيق باشا الكمالي التي كُتبت في الثلاثينيات من القرن الرابع عشر الهجري) وأصدرها في كتابه المعروف باسم (عسير في مذكرات سليمان الكمالي)، في معرض حديثه عن نجد أن البدارين في آواخر القرن العاشر كانوا في عودة سدير وذكر منهم (حمدان بن بدر بن خميس السديري)، وذكر نزوح آل بن خميس وآل راجح من عودة سدير إلى جلاجل والغاط. (3)
هناك رواية شفوية متناقلة من الآباء والأجداد تذكر أن نزوح البدارين الأول كان لثلاث بلدات رئيسية، وهي:
– البير في المحمل ثم انتقلت بعض الأسر إلى ثادق وعمروها.
– العودة وجلاجل في سدير.
– النبقية في القصيم.
وبالنسبة للقصيم فالبدارين فيها حسب هذه الرواية، كانت تواجدهم كما يلي:
آل فايز من البدارين استوطنوا النبقية، ثم نزحت منهم أسر إلى الشماسية والربيعية وبريدة والمريدسية، وفي منتصف القرن الحادي عشر للهجرة تقريباً انتقل غزي من البير إلى المدا بالشماسية، وقريباً من منتصف القرن الثالث عشر للهجرة خرجت أسر آل الغزي من الشماسية، فمنهم من استوطن بلدتي الزلفي والغاط، ومنهم من استوطن بلدة المذنب.
وهذا الموروث المتناقل تطابق مع نتائج فحص الحمض النووي، فأهل البير تكتلوا في تحور خاص بهم،
والعمران من آل عامر في العودة كذلك تكتلوا في تحور خاص بهم، وأهل جلاجل لهم تحور خاص يجمعهم، وأهل النبقية تكتلوا كذلك في تحور خاص بهم، وهذه التحورات الأربعة بالإضافة إلى تحور خامس لأسر المنيع، وهؤلاء كلهم إخوة، يجتمعون في تحور رئيس جامع لهم.
مع الأخذ في عين الاعتبار وجود أسر انتقلت لاحقاً بين هذه البلدات من الفروع الأخرى، وهذه طبيعة أهل نجد عند الانتقال انه يذهب لبني عمه في البلدات الأخرى.
المراجع: