بقلم الشيخ: أيمن بن عبدالرحمن آل حنيحن
نسبه ونشأته:
الشيخ الفقيه الزاهد الورع عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن براك بن حمد بن ربيعة بن حمد بن حنيحن بن حمد الدوسري البدراني نسباً، الحنبلي مذهباً. (إلى هذا الحد ينتهي ما أثبته الشيخ من سلسلة أجداده بخط يده رحمه الله).
ووالد حمد الأخير هو(محمد آل حنيحن) ممن عمر بلدة البير. وقد أثبتنا ذلك من تاريخ ابن بشر فقد قال ما نصه في حوادث سنة 1015هـ: “وفيها استولى آل حنيحن محمد وعبدالله أخوه العاقر على بلد البير القرية المعروفة، أخذوه من العرينات، وغرسوه وتداولته ذرية محمد الذكور من بعده”٠ وهو حمد بن محمد وذريته وهم آل حمد المعروفون إلى اليوم) فإن ابن محمد آل حنيحن هو حمد الذي أثبت المترجم نسبه إليه. ومما يجدر التنويه إليه أن الأولى أن يقال ذرية حمد بن محمد آل حنيحن كما ذكر ابن بشر آنفاً.
وآل حنيحن أسرة معروفة خاصة في إقليم المحمل؛ فإن هذه الأسرة هي التي عمرت بلدة البير سنة 1015ه، كما هو مذكور في التواريخ النجدية، ترجع أصولها إلى قبيلة الدواسر من البدارين.
ولد المترجم له في البير التي هي بلدة آبائه في 15 شعبان 1309هـ، وأمه هي قوت بنت محمد بن قاسم. وهي عمة الشيخ الفقيه الكبير عبدالرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله المتوفى سنة 1392هـ.
الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك
طلبه للعلم:
وممن طلب العلم من الأسرة، وهم من أقران الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك: عبدالعزيز بن حنيحن الحنيحن، وعبدالله بن محمد البراك وقد درسوا في حريملاء.
وقد حبب إليه العلم وأهله منذ نعومة أظفاره، فشرع في مطلع حياته في تعلم القراءة والكتابة، وأخذ شيئاً من القرآن على طريقة الناشئة في كل قطر. ثم تسنى له بعد ذلك أن يختم القرآن كله حفظاً.
وحين شب المترجم له تلفت في ناحيته؛ فلم يجد في منايع العلماء ما يروي ظمأه ويطفئ نهمته سوى في الرياض حاضرة العلم والعلماء إذ ذاك ، فسمت به همته وشد الرحال إلى هنالك، وجد في الطلب والتحصيل، ولم يلبث أن التحق بركب طلاب العلم والتلاميذ الملتفين حول علماء الرياض، من أمثال: الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ (ت 1339هـ)، والشيخ سعد بن عتيق (ت 1349هـ) ؛ والشيخ سليمان بن سحمان (ت 1349هـ)، والشيخ عبدالله العنقري (ت 1373هـ)، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (ت 1389هـ) رحمهم الله تعالى جميعاً.
لقد تفيأ الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك في ظل هذه الكوكبة المنيفة من العلماء، ونهل من علومهم وحفظ عليهم أمهات المتون في الفنون المختلفة، كزاد المستنقع في فقه الإمام أحمد للحجاوي، وكتاب التوحيد وكشف الشبهات وثلاثة الأصول وكلها للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، والعقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي، ومنظومة الرحبية في الفرائض والآجرومية لابن آجروم وألفية ابن مالك وكلاهما في النحو، وعمدة الأحكام في الحديث للمقدسي.
ومن غير ريب أن من حفظ هذه المتون؛ وتيسرله عالم يشرحها له ويحققها، ويفصل في مسائلها الخلافية بالقول المحقق الراجح؛ فمن تيسر له ذلك وكان له ذهن يقظ، فسيدرك إدراكاً تاماً، ويبلغ مبلغ العلماء.
وهذا ما وقع لشيخنا عبدالرحمن بن محمد بن براك، فإنه انقلب من الرياض إلى بلدته البير عالماً بصيراً ذا رأي ونظر، ونشط في القراءة، فأقام دروسأ للطلاب ومجالس وعظ للعامة في المساجد وغيرها.
وقد ولي الإمامة في مسجد مشاش في بلد مشاش سنة 1337هـ في محافظة ثادق والمحمل، ثم في مسجد الجنوب في البير سنة 1348هـ، ثم تحول إلى الجامع الكبير في البير سنة 1359هـ ليكون الإمام والخطيب فيه إلى أن توفي رحمه الله، كما دون ذلك بخط يده رحمه الله، وكانت له خطب جياد ذات تأثير بليغ على المستمعين، وعندي طائفة من خطبه، فكانت إمامته للناس مدة خمس وخمسين سنة ؛ واستمر خطيبأ تسعاً وعشرين سنة.
وحين افتتحت مدرسة البير (سنة 1373هـ) اختير مديراً لها، ثم رغب في التدريس بها، إضافة إلى ما يقوم به من التدريس في المسجد، وكان معنياً بحتضير الدروس أيما عناية، والإعداد لها، وقد رأيت أحد الدروس التي حضرها في دفتر المدرس، وفيه ما يراه التربويون من الأهداف والمقاصد التربوية الحديثة.
وكان الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك، رحمه الله قريب من الناس، لين الجانب، حريصاً على نفعهم، وقضاء حوائجهم، وتلك شنشنة رجال العلم الصادقين.
وكان مرجعهم في الفتيا، وفي قسمة التركات، وتقدير الشجاج؛ وكتابة العقود الشرعية كعقود النكاح والطلاق والخلع والفسخ وغيرها، وكان يوثق للناس مبايعاتهم، ويجريها على الوجه الشرعي الصحيح، وربما جعل عنده نسخة لما يجريه من الوقائع ويثبته؛ وخاصة إذا كانت الوقائع مهمة، عمل كل ذلك وهو لم يل القضاء.
بل إن أهل القرى القريية من بلدة البير كانوا يتوجهون إليه لقضاء حوائجهم، ومن ذلك ما حدثني به الأخ إبراهيم بن عبدالله الدهيشي، أنه كان لجده عبدالعزيز بن محمد الدهيشي مع ابن عمته الشيخ محمد بن ناصر بن سند قسمة فرضية في أرض فاتجها إليه، وقد طلب الشيخ رحمه الله للقضاء فرفض، ومن ذلك ما حدثني به العم إبراهيم بن عبدالعزيز آل حنيحن: أن ابن هيظل طلب الشيخ عبدالرحمن البراك.ليكون قاضياً وإماماً ومرشداً لهم، وأن معه خطاباً من الملك عبدالعزيز في الموضوع فتورع الشيخ عن ذلك وقال بلهجته العامية : (إني مطوع قاصر).
ومما عرف به الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك تعبيره للرويا، وكشفها للناس، وتلك موهبة ربانية.
وما رأيته من الشيخ رحمه الله أنه يقيد التواريخ الشخصية والمهمة، من مثل ولادته، ويوم زواجه، ومواليد أبنائه، وتوليه الإمامة للمساجد، وأعداد الطلاب في مدرسة البير، ونسخه للكتب،… وغيرها٠ ومن أمثلة ذلك:
وقد أكب على قراءة كتب أئمة الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم، والمصنفات الفقهية والحديثة، وكتب الوعظ والفتاوى.
نسخه للكتب:
وكان للشيخ عبدالرحمن خط هو آية في الضبط والإتقان، وكان مغرماً بالكتابة إلى حد بعيد، فعمد إلى تعليقاته التي كان يدونها من أفواه مشايخه في غمرة الطلب، ثم فرغها فيما بعد في أوراق مسستقلة، ورأيت منها أوائل شرح على متن الرحبية قد دونت عام 1337هـ، من دروس العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم، وهو شرح متين جداً.
كما نسخ بيده كتباً كثيرة، وفي طليعتها مصنفات أئمة الدعوة النجدية، وكتب فقهية، وحديثية، ومختصرات، وفتاوى. وقد اعتمد على طائفة منها الشيخ محمد رشيد رضا أثناء جمعه الكتاب العظيم (مجموع الرسائل والمسائل النجدية) كما في كتاب علماء نجد خلال ثمان قرون لابن بسام.
وقد مكن الشيخ خطه الجميل، وصبره الصابر على الكتابة، أن يجمع له مكتبة منتقاة حافلة بما يشاء من الكتب، والمصنفات، والإضمامات الشعرية المنتقاة، وخطب، ومواعظ، والحكم. وكان رحمه الله كلفاً بالشعر، وكلمات الوعظ الموجزة المأثورة عن السلف، وكان يحفظ منها الكثير ويستشهد بها، وبالشعر عند الحاجة، وقصص السلف.
ومن أمتع ما نقله الشيخ بقلمه وحفظه لنا تلك المراسلات العلمية، والفتاوى من أهل الرواية والعلم. ومن جملة ما رأيته بخطه ملازم تحوي فتاوى في مسائل نازلة أجاب عنها شيخه الفقيه الكبير أبو عبدالرحمن عبدالله العنقري، وكان الذي بعث بالأسئلة إليه الشيخ القاضي علي بن زيد الغيلان (ت 1368هـ) وهي 138سؤالاً، وقد كتبت في المحرم سنة 1341هـ وهذا مطلعها (بسم الله الرحمن الرحيم. ويه نستعين، وعليه نتوكل ، فهذه جوابات لمسائل سئل عنها شيخنا المببجل عبدالله بن عبدالعزيز العنقري، سأله عنها علي بن زيد الغيلان : فأجاب أثابه الله فسيح جناته، وأدر عليه سحائب رضوانه.
المسألة الأولى: في امرأة مات عنها زوجها بعد أن وضعت ثلاث أيام، ثم اعتدت عدة الوفاة فهل لها أن تتزوج إذا قضت العدة؟
إملاء الجواب، وبالله التوفيق، لها أن تتزوج لأن وجود الحيض لا يعتبر في عدة المتوفى عنها زوجها، لكنها إن استبرأت بعد مضي العدة بظهور إمارات حمل لم تتزوج حتى يتيقن زوال الريبة، والظاهر أن المسؤول عنها ليس فيها إمارة تدل على الريبة والله أعلم.
المسألة الثانية،… إلخ.
دون الشيخ عبدالرحمن البراك هذه الفتاوى والرسائل بخطه البديع المحرر فبقيت، ولولا أن الله يسر لها هذا الرجل الهمام الحريص المحتسب لضلت، في بيداء التاريخ، وانتهبتها عوادي الأيام، وفقدت كما فقد غيرها من آثار العلماء والأعلام.
مقتنيات مكتبة الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك
وتبلغ مقتنيات الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك من المخطوطات أكثر من خمسين مخطوطأً من الكتب والمجاميع منها على سبيل المثال :
1. فتاوى
المؤلف: عبدالله العنقري.
الناسخ: عبدالرحمن بن محمد بن براك
تاريخ النسخ: 21 محرم 1341هـ.
2. قرة عيون الموحدين
المؤلف: عبدالرحمن بن حسن
تاريخ النسخ: 1335هـ
3. تفسير غريب القران
المؤلف: السجستاني
الناسخ: الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك
4. مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
المؤلف: محمد بن عبدالوهاب
الناسخ: الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك
تاريخ النسخ: 1333هـ
5. مسائل أجاب عليها الشيخ حمد بن ناصر المعمر
الناسخ: عبدالمحسن بن عبدالعزيز بن عبدالله بن سليمان
تاريخ النسخ : 1274هـ
التملك: إبراهيم بن صالح بن عيسى
6. إرشاد الطالب إلى أهم المطالب
المؤلف: الشيخ سليمان بن سحمان
الناسخ : إبراهيم بن محمد بن ربيعة المعروف بالربيعي القصيمي
تاريخ النسخ: 1335هـ
الذي أمر بالنسخ: عبدالرحمن بن محمد القاسم
7. حاشية الشنشوري في الفرائض
المؤلف: الشنشوري
8. الذل والانكسار للعزيز الجبار
المؤلف: ابن رجب
الناسخ:الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك
تاريخ النسخ : 1341هـ
9. كتاب الكبائر
المؤلف: الذهبي
10. الاستيطان فيما يعتصم به من الشيطان
المؤلف: ابن رجب
الناسخ: عبدالرحمن البراك
تاريخ النسخ : 1345هـ
11. العمدة في الفقه
المؤلف: ابن قدامة
12. شرح حديث أبي الدرداء من سلك طريقاً …
المولف: ابن رجب
الناسخ: عبدالرحمن البراك
تاريخ النسخ : 3 شوال 1335هـ
13. شرح حديث عمار
المؤلف: ابن رجب
14. جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية
المؤلف: عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب
الناسخ: عبدالرحمن البراك
الواقف: محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
15. المتون المهمة في طلب العلم كالآجرومية، الطحاوية ؛ العقيدة الواسطية.
16. مجموعة نصائح وفتاوى لأئمة الدعوة النجدية.
17. مجموعة قصائد ووصايا وحكم، … وغيرها.
وفاة الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك
بقي الشيخ الجليل عبدالرحمن بن محمد بن براك في بلدة البير؛ قائماً بأعماله من التدريس، والوعظ، والإمامة، والخطابة، ونفع الخاصة والعامة بالكتابة والإفتاء لهم. وعبادة الله جل وعلا حتى يوم الأربعاء من شهر جمادى الأخر 1388هـ حيث أسلم الروح إلى بارئها؛ وله ذرية وعقب لصلبه موجودة اليوم، منهم ابنه عبدالعزيز وهو الذي وقفني مشكوراً علىمكتبة أبيه، وقد يسر الله للشيخ أربع حجج منها اثنتان على الإبل.
اللهم ارحم الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك، وأسلكه في عداد المهديين.
ووفق أبناءه واغفر لنا ولآبائنا يارب العالمين.
المصدر: الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن براك/ أيمن بن عبدالرحمن آل حنيحن. مجلة الدرعية. العدد 16، السنة 4، شوال – ذو الحجة 1422هـ، ص ص 243 – 266.