صورة للوثيقة المؤرخة عام 1224هـ/1809م
بقلم: عبدالله بن حمد العسكر*
تقديم:
لا شك أنّ للوثائق على اختلاف موضوعاتها أهمية تاريخية تتفاوت بحسب أزمنتها ومناطقها ومكانة الأعلام الواردة أسماؤهم فيها بشكلٍ خاص وكذلك الظروف الي كانت تحيط بأسباب تحريرها من حيث الدواعي والغاية والحيثيات المرتبطة في السبب الذي دعا لتحريرها وتوثيقه.
ولا يمكن للباحث وضع مقاييس لأهمية الوثيقة وقيمتها التاريخية إلا إذا كان على خلفيةٍ فاحصة بالحال التاريخي وعلى اطلاعٍ دقيق بظروف المكان والزمان الذي حُررت فيه الوثيقة على وجه الخصوص.
ولا يشترط للوثيقة أن تعود لفترةٍ زمنية معينة حتى تكتسب الأهمية الموضوعية والتاريخية وإنما يؤهلها لذلك ما تأتي به من فوائد ومعلومات جديدة لم تكن لتُعرف لولاها.
من نوادر وثائق بلد الغاط عام 1224هـ/1809م
مدخل:
في هذه الدراسة نستطلع وثيقة مهمة تعود إلى عام 1244هــ الموافق1809م، وهي من وثائق بلد (الغاط)، من بلدان إقليم (سدير)، في وسط منطقة (نجد).
وقد جاءت هذه الوثيقة بمعلوماتٍ جديدة بالنسبة لتاريخ بلد (الغــاط) الذي لم ينل حقه من التدوين التاريخي الخاص والعام رغم قدم تاريخه وشهرته على مستوى بلدان نجد ونواحيها القديمة.
وأمّا موضوع الوثيقة فإنه يعتبر موضوعًا سائدًا في قرى نجد من حيث الأسباب وهو: بيع ملك زراعي بين طرفين، وذلك لسداد مطلب للطرف الثاني على والد الطرف الأول في الوثيقة، ولكن الأهمية تكوّنت من ناحية الصفة الرسمية الواردة في النص، ومعرفة الوضع الاقتصادي في العصر الذي حُررت فيه الوثيقة، وهي معلومات لم تدوّن في مصدرٍ تاريخي من قبل.
مصدر الوثيقة:
يعود أصل هذه الوثيقة إلى مجموعة وثائق الجد حمد بن سليمان العسكر والمتوفي سنة 1261هــ وهو الطرف الثاني في الوثيقة، ثم آلت من بعده إلى ابنه الأمير سليمان ب حمد العسكر (ت 1295هــ)، بعد ذلك آلت إلى ابنه حمد بن سليمان العسكر (ت 1337هــ)، ومن بعده إلى ابنه محمد بن حمد العسكر (ت 1391هــ) -رحمهم الله جميعًا- حيث وجدتها ضمن مجموعة من الأوراق والوثائق التي لم تُفرز مع غيرها من الوثائق التي كانت عند الأخير، وهي الآن محفوظة بحفظ الله سبحانه عند محرره: عبدالله بن حمد بن محمد بن حمد بن سليمان بن حمد بن سليمان العسكر والله المستعان.
وصف عام للوثيقة:
كُتبت الوثيقة بخطٍ نسخي واضح ومقروء على وجه ورقة بلغ طولها: (23 سم) وعرضها: (9 سم) وبالمداد الأسود، وبلغ عدد أسطرها: (18 سطرًا) أخذت البسملة السطر الأول منها، ثم نص الوثيقة، والذي استغرق الأربعة
عشر سطرًا التي تلتها، بعد ذلك جاء تصديق أحد القضاة والذي نظر وأفاد بصحة مضمون الوثيقة الشرعي، وقد بلغ هذا الأسطر الثلاثة الأخيرة تخللها ختم ناقل نص الوثيقة عن أصلها حيث أنّ لهذه الوثيقة أصلٌ قديم يبدو أنه تعرض للتلف، وهو بخط الشيخ عثمان بن عبدالجبار (ت 1244هــ)، حرره في 1244/10/18هـ، ثم نقله من خطة الشيخ أحمد بن ناصر الصانع (ت 1255هــ)، ولم يذكر تاريخ النقل المذكور، إلا أنه تبيّن لي من خلال معرفتي لموضوع العقار المذكور في نص الوثيقة واطلاعي على أوراقه الأخرى أن تاريخ النقل كان بعد مضي عشرين عامًا على تحرير الوثيقة، أي في سنة 1244هــ.
زمن كتابة الوثيقة:
يعود زمن كتابة الوثيقة إلى نهاية الربع الأول من القرن الثالث عشر الهجري، وقد تحدد لنا في الوثيقة تاريخها في اليوم والشهر والسنة كما جاء في النص الأصلي لها وهو: 18 من شوال سنة 1224هــ، وهذا التاريخ داخل في عصر الدولة السعودية الأولى (التي انتهت عام 1233هـ). وأمّا الحاكم الذي كُتبت الوثيقة في عهده فهو: الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله- (ت 1228هــ). وأمّا زمن نقل الوثيقة عن أصلها فإنه كما مرّ بنا بعد مضيّ عشرين عامًا على التحرير الأول لها، أي في عام 1244هــ، وهذا التاريخ داخل في عصر الدولة السعودية الثانية وفي عهد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود -رحمه الله- والمتوفي في آخر يوم من عام 1249هــ.
كاتب الوثيقة:
حُررت الوثيقة بقلم الشيخ عثمان بن عبد الجبار(1) بن حمد (أحمد) بن شبانه بن محمد بن شبانه من آل أبا مسند من آل محمد من الوهبة وهو من ذرية الشيخ أحمد بن شبانه العالم المشهور في زمانه. وُلد في الجمعة خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري ونشأ في أسرةٍ علمية كبيرة برز منها عدد من العلماء والقضاة والكتّاب خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين بشكلٍ خاص.
وقد أخذ الشيخ عثمان عن عدد من العلماء الكبار منهم: الشيخ حمد بن عثمان بن شبانه (ت 1208هــ) والشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب (ت 1244هــ) كما أنه أخذ في أول طلبه للعلم عن الشيخ عبدالمحسن بن نشوان بن شارخ (ت 1187هــ) قاضي الزبير وعن غيرهم. وقد تولى الشيخ عثمان القضاء في مناطق مهمة حيث ولّاه الإمام عبدالعزيز بن محمد -رحمه الله- القضاء في عسير وولّاه الإمام سعود بن عبدالعزيز القضاء في عُمان وما حولها، ومقره في بلد (رأس الخيمة)، بعد ذلك عاد لبلده المجمعة فوُلي القضاء في ناحية (منيخ) ومقره في المجمعة، وكان -رحمه الله- عالمًا جليلًا بارعًا في أحكامه ومتميزًا في كتاباته الشرعية وله خطٌ حسن، وكان نقش ختمه: (الواثق بالغفار عثمان بن عبدالجبار) توفي -رحمه الله- بتاريخ 27 شعبان 1242هــ.
الأعلام الوارد ذكرهم في الوثيقة:
اسم العلم | صفته |
1- تركي بن محمد السديري | بائع وأمير على الغاط |
2- (الإمام) سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود | حاكم الدولة |
3- حمد العسكر | مشتري |
4- محمد بن تركي السديري | مالك عقار |
5- مقحم بن تركي | شاهد |
6- منصور المخضب | شاهد |
7- عثمان بن عبدالجبار | كاتب |
8- أحمد بن ناصر الصانع | ناقل نص |
9- إبراهيم بن سيف | مصادق على الوثيقة |
البلدان والأماكن الوارد ذكرها في الوثيقة:
1- الغاط | (بلد) |
2- الوسيطي | (مزرعة) |
3- بيت المال | (دائرة حكومية) |
المواد الوارد ذكرها في الوثيقة:
1- تمر | (إنتاج نخيل) |
2- ماء | (ماء البئر) |
3- سيل | (ماء المطر) |
الطرف الأول في الوثيقة: (تركي بن محمد السديري)
هو تركي بن محمد بن تركي بن سليمان بن حسين بن أحمد بن عبدالله السديري، من البدارين من الدواسر، وهذه الأسرة غنية عن التعريف حيث برز منها أعلام مشهورون ممن تولوا إمارة بلد الغاط منذ القرن الحادي عشر الهجري، ولعلّ في سلسلة نسب تركي المذكور من الأمراء ما يشار إليهم هنا حيث أنّ جده حسين بن أحمد بن عبدالله السديري كان أميرًا على بلد الغاط في أواخر القرن الحادي عشر الهجري وأول القرن الذي تلاه، وقد ذُكر في وثيقة(2) كُتبت في تلك الفترة وشهد فيها الشيخ حسن بن عبدالله أبا حسين العالم المشهور في بلد أشيقر (ت 1123هــ)، وجاء في تلك الوثيقة أن الأمير حسين المذكور (شيخ لبلد الغاط وقاهره بسيفه)، وهذا يؤكد قدم إمارة السداري على بلد الغاط وتمركزهم فيه.
كما أنّ سليمان بن حسين السديري وهو ابن المذكور أعلاه قد ذُكر في وثيقة(3) مؤرخة سنة 1183هــ، ووُصف فيها بأنه (رئيس بلد الغاط).
أما تركي بن محمد بن تركي السديري المذكور في هذه الوثيقة فقد تولى إمارة بلد الغاط بعد أبيه محمد بن تركي بن سليمان السديري، واستمر فيها حتى وفاته حيث خلفه بشكلٍ غير مباشر أخوة الأصغر أحمد بن محمد بن تركي بن سليمان السديري (ت 1277هــ)، وأحمد المذكور هو جد الملك عبدالعزيز لأمه، ويُعرف عند الموثقين والباحثين بــ (أحمد الأول) أو (أحمد الكبير). المعروف أن أول ذكر للأمير أحمد في تاريخ نجد كان سنة 1239هــ(4) عندما وفد على الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود في المجمعة لمبايعته، وقد أشير إليه بأنه صاحب بلد الغاط آنذاك. أما أخوه الأمير تركي فإنه لم يرد له ذكر في المصادر التاريخية القديمة.
وقد خلّف الأمير تركي بن محمد بن تركي بن سليمان السديري من الأبناء: عبدالله وأخته (نمشة). وأما والدتهما فهي: غنيمة بنت حمود بن عقيل العسكر، من آل بدر من الجلاس من عنزة (من أهل المجمعة). أما ابنه (عبدالله) فقد خلّف: تركي (ت 1321هــ) وخلّف تركي المذكور من الأبناء تسعة ذكور وابنة واحدة وهم:
1- محمد 2- عبدالعزيز 3- سليمان 4- مجاهد 5- عبدالله 6- عبدالرحمن 7- سعد 8- فهد 9- أحمد 10- فلوة.
وجميع من ذكرنا من الأولاد لهم عقب عدا اثنين منهم فلم يعقبا وهما: عبدالعزيز ومجاهد.
وأما ابنته (نمشة) التي سبق ذكرها فهي زوجة محمد بن ناصر بن محمد بن تركي بن سليمان السديري، وهو ابن عمها المباشر.
الطرف الثاني في الوثيقة: (حمد العسكر)
هو حمد بن سليمان بن إبراهيم بن بدر بن محمد، من آل بدر من الجلاس من عنزة، و(العسكر) لقب لوالده سليمان بن إبراهيم بن بدر، المتوفي خلال النصف الثاني هن القرن الثاني عشر الهجري، وكان من رؤساء (المجمعة) في زمنه وله زعامة كبيرة لعشيرته (آل بدر) في ذلك الوقت، وسبب تلقيبه بــ(العسكر) كما يذكر رواة الأخبار أنه كان يتجول في البلد برفقة أولاده وعدد كبير من أفراد أسرته بشكلٍ جماعي ومنتظم وغالبهم كانوا متوشحين لسيوفهم وأسلحتهم، فأُطلق على كبيرهم الذي هو سليمان بن إبراهيم بن بدر لقب (العسكر). ولعلّ أقدم من ذكر هذا اللقب من العلماء حين تحريرهم للوثائق الشرعية في بلد المجمعة هو الشيخ عبدالله بن أحمد بن محمد بن سحيم (ت1175هــ) وذلك في وثيقة(5) حررها بتاريخ 1163/1/2هـ، وكان سليمان بن إبراهيم المذكور أحد الأطراف المذكورين في تلك الوثيقة. ومنذ ذلك الحين وذريته يعرفون بالعسكر حيث تلاشى عنهم اسمهم الأول (آل بدر) تدريجيًا(6).
وأما ابنه حمد (المترجم) فهو الثاني من أولاده الأربعة حيث أنّ أكبرهم: عبدالله وهو جد العسكر سكان (العلاوه)(7)، الحي المعروف في المجمعة، ويليه حمد (المترجم)، ثم عثمان وهو جد أسرة الثابت في المجمعة والعسكر سكان (الفشخا)(8)، الحي المعروف في المجمعة، وأخيرًا محمد وهو جد أسرة (النويصر) في المجمعة.
وكان حمد بن سليمان العسكر -رحمه الله- من أعيان بلده، وله تجارة واسعة ممتدة في منطقة سدير وما حولها، وتملك كثيرًا من العقارات والمزارع وله سجلٌ حافل بالأعمال التجارية بدءًا من عام 1190هــ وحتى عام 1260هــ حسب ما لدي في وثائقه وأوراقه الخاصة، كما أن له علاقة وثيقة مع حكام الدولة السعودية الأولى والثانية الذين عاصرهم كما تبين لي من خلال المراسلات التي تمت بينهم، وغيرها من الشواهد التي وقفت عليها في أوراقه -رحمه الله-، وكانت وفاته في بلده المجمعة عام 1261هــ. وقد خلّف ستة من الأولاد الذكور وهم:
1- إبراهيم (قتله الأتراك(9) حين دخولهم المجمعة سنة 1237هــ)، 2- عبدالله، 3- محمد، 4- سليمان(تولى إمارة المجمعة وتوفي عام1295هــ)، 5- منصور(جد لمنصور العسكر سكان العلاوه)، 6- ناصر (ت 1296هــ) وهو والد الشيخ حمد بن ناصر العسكر(10) من علماء المجمعة وكانت وفاته في مكة المكرمة عام 1355هــ.
النص:
بسم الله الرحمن الرحيم
وجه ذلك أن تركي بن محمد السديري حال كونه نائبًا لسعود {1} على بلد الغاط {2} باع على حمد العسكر عقار أبيه محمد {3} المعروف بالوسيطي {4} في محروسة {5} الغاط معروفة عندهما معرفة نافئة للجهالة مغنية عن التحديد بثمن قدره ثلاثة آلاف تمر {6} والتمر دَين في ذمة محمد والمبيع بجميع حقوقه الداخلة فيه والخارجة عنه من ماء وسيل وطريق، وسقطت ثلاثة آلاف التمر عن ذمة محمد، شهد بجميع ذلك جماعة من المسلمين منهم مقحم بن تركي {7} ومنصور المخضب {8} وكاتبه عثمان بن عبدالجبار، وأقرّ حمد أنه قد برئت ذمة محمد من جميع ما في ذمته لحمد المذكور سوى ما يطلب من قبل بيت المال {9} شهد به من ذكرنا وكتبه كاتبه آنفًا حرر 18 من شوال سنة 1224 من الهجرة على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام، ونقله من خط عثمان بعد معرفته يقينًا أحمد بن ناصرالصانع {10}.
الختم
(أحمد بن ناصر الصانع)
نظرت فيما في صدر هذه الورقة من البيع فإذا هو صحيح لازم ما أرى له معارض، قال ذلك، وكتبه إبراهيم بن سيف {11} وصلى الله على محمد وآله وسلم.
من نوادر وثائق بلد الغاط عام 1224هـ/1809م
التحقيق:
{1} سعود: هو الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله- ثالث حكام الدولة السعودية الأولى، وُلد في الدرعية عام 1161هــ، وتولى الحكم بعد مقتل والده عام 1218هــ واستمر في حكمه حتى توفي بتاريخ ليلة الاثنين 11/5/1229هــ وهو من أعظم حكام الدولة السعودية في التاريخ، شهد عهده توسعًا وامتدادًا في حدود الدولة وقوة ومكانة مهيبة.
{2} الغاط: يقع بلد الغاط في الجزء الشمالي من منطقة سدير شمالًا عن مدينة الرياض، ويعتبر بلد الغاط آخر البلدان القائمة فوق هضبة طويق من جهة الشمال حيث نشأ على سفحه في المنحدر الشمالي من جهته الغربية. وموقع بلد الغاط قديم جدًا جاء له ذكر في كتب البلدان القديمة والمعاجم والأشعار، وكان يسمى (لُغاط) بدون ألف، كما جاء ذكر بلد الغاط في كثير من المصادر الجغرافية الحديثة(11). وفي واديه كثير من المزارع والنخيل القائمة منذ قرون طويلة وتتميز أرضه بوفرة المياه.
{3} محمد: هو الأمير محمد بن تركي بن سليمان بن حسين بن أحمد بن عبدالله السديري، والد الأمير تركي (الطرف الأول في الوثيقة)، وكذلك والد الأمير أحمد (ت 1277هــ) أحد القادة البارزين في زمن الدولة السعودية الثانية، والذي تولى كثيرًا من الأعمال المهمة، وهو من أشهر رجالات أسرة (السديري)، وله تاريخٌ حافل، وهو جد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-. ولمحمد بن تركي المذكور من الأبناء غير من ذكرت اثنان وهما: (ناصر وفراج) حيث أن أولاده أربعة: أكبرهم تركي ثم ناصر ثم فراج ثم أحمد.
{4} الوسيطي: من المزارع القديمة في بلد الغاط، وتقع في الجنوب الغربي من البلد القديم، وهي مجاورة للبلد من جهة الغرب، ويفصل بينها وبين البلد سوق عابر (شارع) يصل البلد بالمزارع الواقعة في تلك الناحية، وهذه المزارع تسيل من شعيب (باعج) ومن وادي الغاط الكبير.
{5} محروسة: يراد بها (الدعاء بأن يحرسها الله من كل سوء)، وهي من عادات الكتاب القدامى عند ذكر بلاد عزيزة عليهم.
{6} ثلاثة آلاف تمر: المراد ثلاثة آلاف (وزنة) تمر، وهي القيمة المباع فيها. وكانت الثلاثة آلاف وزنة المذكورة في الأصل دينًا على محمد السديري لحمد العسكر، فاستوفى بها العقار المسمّى (الوسيطي) بيعًا من تركي بن محمد المذكور، وصارت الثلاثة آلاف وزنة ثمنًا لذلك العقار، وهو ملك زراعي للمدين محمد بن تركي السديري. و(الوزنة) وحدة مكاييل معروفة عند أهل نجد قديمًا، ويوزن بها التمور بشكلٍ خاص.
{7} مقحم بن تركي: هو مقحم بن تركي بن سليمان بن حسين بن أحمد ابن عبدالله السديري، من أعيان أسرة السديري في بلد الغاط. كان من الكتّاب المعتمد خطهم في البلد، ومن أهل الرأي في زمنه. رأيت كثيرًا من الوثائق القديمة بخطه؛ وكانت وفاته -رحمه الله- خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري.
{8} منصور المخضب: من أسرة (المخضب) المعروفة في بلد الغاط، وهي من الأسر القديمة هناك، ويرجع نسبها إلى بني هاجر من قحطان.
{9} بيت المال: يُعد (بيت المال) هيئة شرعية مستقلة تتبع الحاكم مباشرة ومعنية بجمع ما قرره الشرع الحنيف من زكاة الأموال الناتجة من النخيل والزروع والمواشي وغيرها، وله موارد أخرى ترد حسب الظروف السياسية والاجتماعية والشرعية. وبالمقابل فإن له مصارف تدفع منه إلى المستحقين، وما يأمر به ولي الأمر لسد الحاجات، وإقامة المنشآت العامة في البلد، وتصرف منه (قديمًا): رواتب القضاة والأئمة والمؤذنين، وتدفع منه كذلك مصاريف الجنود والحروب.
{10} أحمد بن ناصر الصانع: هو أحمد بن ناصر بن محمد الصانع من أسرة (الصانع) المعروفة في حرمة والمجمعة قديمًا، وهي أسرة كريمة برز منها عدد من الأعلام والأعيان في الماضي، ولعل من أشهرهم الشيخ أحمد المذكور والذي برز اسمه في الكتابات الشرعية في المجمعة، وتقلد عددًا من الأعمال المهمة في زمن الدولة السعودية الثانية بشكلٍ خاص حيث ولاه الإمام تركي ابن عبدالله بن محمد بن سعود -رحمه الله- (ت 1249هــ) على بيت المال في سدير سنة 1240هــ، ثم أنه ولي إمارة سدير عام 1244هــ، بالإضافة لعمله في بيت المال. وبتي في عمل الإمارة زمنًا خلال عهد الإمام تركي. أما بيت المال فإنه استمر فيه حتى عهد الإمام فيصل ين تركي في فترة حكمه الأولى.
وقد توفي الشيخ أحمد الصانع -رحمه الله- في المجمعة سنة 1255هــ(12)، وله ذرية معروفة هناك ومنهم: الشيخ أحمد بن صالح الصانع (ت 1357هــ) -رحمه الله- من رواد التعليم في المجمعة.
{11} إبراهيم بن سيف: هو إبراهيم بن سيف بن غنيم بن علي بن سويلم. هكذا ساق اسمه بخطه في عدد من المخطوطات والتملكات التي وقفت عليها حيث أن اسمه كاملًا لم يقف عليه جميع الذين ترجموا له(13). والشيخ إبراهيم بن سيف من القضاة المشهورين زمن الدولة السعودية الأولى في سنواتها الأخيرة والدولة السعودية الثانية في عهدها الأول، وتولى القضاء في منطقة سدير والرياض، أخذ العلم عن عدد من العلماء أبرزهم: الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب (ت 1244هــ) والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الحصين (ت 1237هـ)، وكان الشيخ إبراهيم بن سيف من القضاة المرافقين للحكام في غزواتهم.
توفي الشيخ إبراهيم بن سيف -رحمه الله- في الرياض بعد عام 1257هــ ولم أجد تاريخًا لوفاته. وقد عُرف من أولاده: الشيخ محمد بن إبراهيم بن سيف، قاضي حائل. وللشيخ إبراهيم من الإخوان: غنيم بن سيف وعبدالله بن سيف، وهما من القضاة في عهد الدولة السعودية الأولى، وتوليا قضاء (عنيزة) بالقصيم.
فوائد وأهمية الوثيقة:
أتت هذه الوثيقة بفوائد ومعلومات لها أهمية كبيرة بالنسبة لتاريخ المنطقة بشكلٍ عام وبلد الغاط بشكلٍ خاص، وكذلك أعطت جوانب مختلفة عن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في العصر الذي تعود إليه ويمكن تلخيص هذه الفوائد والأهمية المستخرجة من الوثيقة ودراستها عبر النقاط التالية:
1- إعطاء صورة عن الحياة الاجتماعية في نجد في أوائل القرن الثالث عشر الهجري.
2- إعطاء صورة عن الأحوال الاقتصادية والزراعية في منطقة سدير بشكلٍ خاص.
3- الإفادة عن أسماء بعض الأعلام في ذلك العصر.
4- الإفادة عن أسماء أماكن في بلد الغاط بشكلٍ خاص.
5- التعرف على جوانب من التعاملات التجارية في بيع المزارع مقابل مواد غذائية (تمور) بدلًا من النقود.
6- التعرف على أحد أمراء الغاط في زمن الدولة السعودية الأولى من الذين يرد لهم ذكر في المصادر التاريخية.
7- الإشارة إلى وجود (بيت المال) في الغاط.
8- الإشارة إلى الحالة المادية التي كان عليها أحد أعيان المجمعة في ذلك العصر.
الهوامش:
* المجمعة، المملكة العربية السعودية.
(1) انظر ما كتبه المؤرخ عثمان بن عبدالله بن بشر (1210-1290هــ) في ترجمته للشيخ عثمان بن عبدالجبار ضمن حوادث سنة ١٢٤٢هــ من تاريخه “عنوان المجد في تاريخ نجد”، تحقيق عبدالرحمن آل الشيخ، الطبعة الرابعة 1403هــ من مطبوعات دارة الملك عبدالعزيز- الرياض (2/55) وتعتبر هذه الترجمة من أقدم التراجم المحررة عن الشيخ عثمان المذكور.
(2) تعتر هذه الوثيقة من أقدم الوثائق الي كتبت في بلد الغاط حتى الآن وقد جاء فيها ذكر عدد من أعلام البلد وهم على هذا النحو: ١- عبدالله بن عيد (إمام جامع الغاط)2- عليان بن أحمد بن شعلان (مولى عليه) 3- حسين بن أحمد بن عبدالله السديري (شيخ بلد الغاط وقاهره بسيفه) ٤- حسن بن عبدالله أبا حسين (شاهد) 5- غالية بنت محمد بن شعلان (مقرة) 6- عبدالله بن سليمان القاضي (وكيل عن زوجته غالية الشعلان) 7- فايز المتيحي (شاهد) 8- عثمان بن شعلان (شاهد).
(3) كاتب هذه الوثيقة هو الشيخ سليمان بن إبراهيم بن فداغ من علماء بلد الغاط، وقد حررها سنة 1183هــ. وأما الذين ورد ذكرهم في الوثيقة من الأعلام فهم: 1- محمد العميري (مشار لوفاته في الزبير سنة سوقه: 1181هــ وأن عليه دينًا) 2- سليمان بن حسين السديري (رئيس بلد الغاط والقاضي فيه لعدم وجود حاكم للشرع 3- ناصر بن عبدالله بن ناصر (وكيل على بيع ملك المتوفي وقضاء دينه) 4- عثمان بن ناصر (مشتري) 5- عبدالعزيز بن سليمان بن عيسى (شاهد) 6- إبراهيم ابن سليمان بن علي (شاهد). أما العملة المذكورة في الوثيقة فهي: 1-(أحمر زر) 2-(محمدية)، كما جاء في الوثيقة أسماء لأملاك زراعية مجاورة للملك المباع وهي: 2-(فيد السندلي) 2-(الحبيش) 3-(ركية الشمرية) 4 -(الحديثية).
(4) جاء في حوادث سنة 1239هــ من تاريخ ابن بشر (مصدر سابق) عند ذكر دخول الإمام تركي بن عبدالله للمجمعة ووفود الأمراء وأهالي البلدان عليه ما نصه: ووفد إليه رئيس الغاط أحمد بن محمد السديري وأهل الزلفي (2/33).
(5) نشرت هذه الوثيقة في بحث بعنوان: (رحلة مع وثيقة عمرها 258 عامًا) لكاتبه. في مجلة “الدرعية” السنة الثالثة، العددان الحادي عشر والثاني عشر، رجب-شوال 1421هــ (ص 415).
(6) ورد في نبذة (مخطوطة) كتبها المؤرخ والنسابة إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270-1343هــ) عن نسب آل بدر أهل المجمعة ما نصه: آل بدر أهل المجمعة هم آل عسكر والعسكر لقب على سليمان بن إبراهيم جد آل عسكر المعروفين فقيل لبنيه آل عسكر، ومن آل بدر آل جعوان ويقال لآل جعوان آل عقيل بن بدر وجعوان لقب جدهم ناصر بن عقيل الذي صار أميرًا في المجمعة وتوفي سنة ست ومايتين وألف، ومن آل بدر آل صالح بن بدر المعروفين في المجمعة، ومن آل بدر يوسف بن بدر التاجرالمعروف في الكويت، وهم من البدور من آل اجلاس من عنزة. قلت: هذه النبذة عن آل بدر أهل المجمعة وفرعهم الذي في الكويت بينما هناك فروع من آل بدر في الزلفي والتويم وحريملاء تلتقي مع أهل المجمعة في الجد الأول.
(7) العلاوه: بسكون العين واللام: حي قديم يقع في الشمال الغربي من المجمعة القديمة في منطقة زراعية تحمل الاسم نفسه، وهذا الحي مستقل عن البلد، خارج عن أسواره. (العلاوه): مقال منشور لكاتبه في صفحة: (وراق الجزيرة) الأسبوعية في جريدة (الجزيرة) يوم الأحد 16 من شعبان 1421هــ الموافق 12 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2000م (ص16) من العدد رقم 10272.
(8) الفشخا: منطقة سكنية نشأت خارج المجمعة القديمة غربًا عنها وبين المزارع العروفة بــ (الجو)، وهي من أقدم المزارع في المجمعة، وكان للفشخا سور قوي البناء وبوابة رئيسة وأسس في طرفها الجنوبي مسجد واستوطنتها عدة أسر وكانت كالبلدة المستقلة.
(9) جاء في حوادث سنة 1237هــ من تاريخ ابن بشر (مصدر سابق) عند ذكر قدوم حسن بيك أبوظاهر وجنوده من المدينة المنورة ووصوله إلى بلدة عنيزة في القصيم ما نصه: ونزل عنيزة ورئيسها يومئذ داعية الترك عبدالله الجمعي، فقام معه ثم وفد عليه صاحب المجمعة وصاحب جلاجل، وأكثر رؤساء البلدان، فأرسل خيلًا نحو ثمانين فارسًا من الترك مع موسى كاشف، والساير بهم عبدالله الجمعي المذكور، فنزلوا قصر المجمعة وأقبلوا في سدير وأدبروا، وأرادوا من أهله دراهم وطعامًا، فأعطوهم شيئًا قليلًا ثم تزايد أمرهم بالأخذ والظلم فامتنع عليهم بعض بلدان سدير. فلما علموا أنهم لم يدركوا مقصودهم وثبوا على اثنين من رؤساء المجمعة وقتلوهم وهم: حمد بن ناصر بن جعوان وإيراهيم بن حمد العسكر، وقتلوا معهم رجالًا من خدمهم، ثم ساروا في سدير فلم يدركوا إلا أمير بلد الجنوبية وقتلوه. (1/461-462).
(10) انظر عنه كتاب: “أوراق ورسائل من حياة الشيخ حمد بن ناصر العسكر” تأليف عبدالله بن حمد بن محمد العسكر، الطبعة الأولى، 1422هــ.
(11) للوقوف على شيء من تاريخ الغاط وجغرافيته يُستحسن الرجوع إلى كتاب “محافظة الغاط” تأليف محمد بن أحمد الراشد، الطبعة الأولى 1427هــ، وقد ضم هذا الكتاب جلّ ما سطّر عن (الغاط) في المصادر القديمة والحديثة وقد بذل مؤلفه جهدًا عظيمًا في التقصّي عن تاريخ وجغرافية البلد.
(12) أرّخ لوفاة الشيخ أحمد الصانع ابن بشر في تاريخه (مصدر سابق) في حوادث سنة 1255هــ وأثني عليه قائلًا: وفيها توفي أحمد بن ناصر الصانع، ولي بيت مال سدير لتركي وابنه فيصل رحمه الله، وكان في الغاية من الكرم والسماحة والعقل، ولا يُعرف له زمانه له نظير. (2/182-183).
(13) للشيخ إبراهيم بن سيف ترجمة في “علماء نجد خلال ثمانية قرون” للشيخ عبدالله البسام، الطبعة الثانية (2/311).