نعرف من سجل التاريخ ان القبيلة أو الشعب المشتمل على عدد من القبائل يميل إن كانت صفة الرعي والترحال هي المسيطرة عليه بوجود القوى السياسية المسيطرة والموجدة للمناخ الآمن، يميل إلى الاستقرار التدريجي لتكون حاضرته مع مرور الوقت وتهيأؤالسبل أكثر من باديته، ويبقى جزء منه يجمع ما بين حياة الحاضرة وحياة البادية، وعليه لابد أن يترك آثاراً مادية في أماكن استقراره الدائم وارتياده الموسمي.. وهذه الحال تنطبق على قبيلة بني تميم التي بتاريخها الطويل عاصرت الكثير من الكيانات السياسية إبان زمن ما قبل الإسلام، ولعل من أهم تلك الكيانات وآخرها فيما قبل الإسلام كيان مملكة كندة التي مثلت تميم جزءاً من رعاياها.. وإن عمل الكيان السياسي القوي على استقرار القبائل الرحل فإن ضعفه وتفككه يعمل العكس تماماً فيؤدي إلى تمزق القبيلة وظهور فروع منها تتجه نحو الاستقلال عن الجذر الأصلي في النسبة.. ونسأل هل حدث ذلك لقبيلة بني تميم الضخمة؟ وكيف حدث؟
وللتذكير يجب القول ان قبيلة بني تميم من أهم القبائل العربية القديمة من حيث العدد والانتشار المكاني.. والحجم العددي المعروف عنها يجعل منها شعباً يشتمل على عدد من القبائل الكبيرة.. وتميم قبيلة شمالية من حيث المكان ومعدّيه من حيث الجذر النسبي، كانت حاضرة تميم في الأزمنة السابقة للإسلام مستوطنة في وسط الجزيرة العربية وشمالها بجناحيه الشرقي والغربي وباديتها متجولة في مراعي المناطق ذاتها.. وتجاور هذه القبيلة العديد من القبائل العربية مثل: عبس، وأسد، وكلاب، وطي، وحنيفة، وعامر بفروعها المختلفة.
ويعرف من المصادر التاريخية (كأيام العرب لأبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي) ان قبيلة تميم كانت المتزعمة للتحالف الشمالي الواقف أمام التحالف الجنوبي أو لنقل كانت تمثل السد القوي في وجه تحرك القبائل الجنوبية ناحية الشمال.. كانت لها الزعامة ضد تحالف كبير من قبائل الجنوب والدليل على ذلك ما حدث لها في يوم الكلاب الثاني عندما قابلت حشداً ضخماً من القبائل القحطانية يصل عدد أفراده إلى ما يقارب الثمانية آلاف مقاتل وتمكنت من هزيمته.. ويروي لنا البراء بن قيس الكندي قائد التحالف الجنوبي في يوم الكلاب عدد القبائل الجنوبية المشاركة في المعركة بقصيدته التي جاء فيها:
سرت في الأزد والمذاحج طرا
بين صلّ وكاشر الأنياب
وبني كندة الملوك ولخم
وجذام وحمير الأرباب
ومراد وخثعم وزبيد
وبني الحارث الطوال الرغاب
وحشدنا الصميم نرجو نهابا
فلقينا البوار دون النهاب
وهكذا يمكن أن نتصور من هذه الأبيات عدد القبائل التي شاركت في الهجوم على بني تميم، وهذا العدد يعكس حجم العدد والانتشار المكاني الواسع لبني تميم.. ولعل حجم الجيش الذي شارك التميميون في قيادته وتزعمه والمشاركة فيه في معركة يوم شعب جبلة، ذلك الحجم الذي وصل إلى ثلاثين الف مقاتل يعكس الأهمية العددية والرقعة الانتشارية لقبيلة بني تميم.
وما دامت قبيلة بني تميم بهذه القوة وعاصرت كيانات سياسية عدة وشاركت في أحدث جسام فأين هي الآثار العائدة إليها؟، فيبدو أنه من غير المعقول ان تعيش قبيلة بهذا الحجم والامتداد الزمني دون ترك أثر مادي ملموس، فإن لم تترك آثاراً معمارية نتيجة لطراز معيشتها، فإن طبيعة النشاطات الأخرى التي مارستها تتطلب تشييد منشآت، كالأحواض والقبور والسواتر وغيرها، فأين هذه المنشآت؟ أو لماذا فشلنا في التعرّف على البعض منها؟ أو لماذا عجزنا عن أن ننسب بعض ما عرفنا إلى هذه القبيلة؟.. وإن غابت آثار بادية تلك القبيلة.. فأين هي آثار حاضرتها؟.. لماذا لم نقرأ في تقارير الجهات المعنية بدراسات الآثار عن نسب شيء من الآثار المكتشفة إليها؟ علماً أن الكثير من المواقع القديمة والآثار الثابتة قد اكتشفت في مواقع معروفة تاريخياً على أنها من المواقع التي استقرت بها فروع من تلك القبيلة.
الشيء الثاني ذو الصلة بهذه القبيلة ويثير التساؤل البحثي هو الكيفية التي تفرقت بها قبيلة بني تميم، أو لعلنا إلى الهدف أقرب عندما نقول الكيفية التي تفرعت بها إلى فروع لم تكن معروفة من قبل أو فروع ظهرت نتيجة لأحداث سياسية وحربية قادت إلى تغيرات في موازين القوى.
المصدر: جريدة الرياض. الجمعة 24 محرم 1445هـ 11 أغسطس 2023م.