لمعظم بلدات نجد تاريخ موغل في القدم، فكثير منها عمرت في أزمنة قديمة جداً، وتوالى عليها السكان من قبائل مختلفة، أو من نفس القبيلة، فهي تعمر، ثم تهجر فتخرب، ثم تعمر مرة أخرى فتهجر فتخرب، وهكذا.
– الجدب والقحط .
– الأوبئة التي تسبب فناء أهلها وهجرة من بقي منهم.
– الاقتتال بين أهلها، أو الحروب من خارجها.
– التضييق من قبل من حولها، وخصوصاً إن كانوا من قبائل أخرى.
– عمار بلدة أخرى في مكان أفضل من حيث الموقع ووفرة المياه، ومن ثم الانتقال إليها.
– تجلية أهلها لأي سبب من الأسباب من قبل من حولهم.
– ضياع تاريخها لأي سبب من الأسباب، وتحت أي ظرف من الظروف.
فعلى سبيل المثال:
يذكر مؤرخو نجد في حوادث السنين (1089هـ، 1136هـ، 1182هـ، 1197هـ، 1288هـ، 1316هـ) هجرات أهل سدير للزبير والبصرة وبلدات أخرى في العراق والأحساء والكويت.
أما الهجرة بسبب المشاكل الداخلية في البلدات، فهناك بلدات ينزح إليها أناس من قبائل أخرى ويتكاثرون فيها لدرجة أنهم يفوقون عدداً أصحاب البلدة الأصليون، أو ينافسونهم في العدد، مما يتسبب في إشكالات بينهم وبين أهل البلدة كما حصل في أشيقر وهي من بلدان الوشم حسب الرواية التي وثقها المؤرخ حمد بن محمد بن لعبون في كتابه: (تاريخ حمد بن محمد بن لعبون الوائلي الحنبلي النجدي) عن جلاء بنو وائل من أشيقر إلى التويم بعد أن أغلق الوهبة من بني تميم أبواب البلدة، والحوار الذي دار بين الوهبة وبنو وائل، ومن ثم عمارتهم لبلدات أخرى كالتويم وحريملاء وحرمة والمجمعة، وغيرها.
يذكر حمد بن لعبون (نفس المصدر السابق) في صفحة 96 زمن نزول مدلج وبنوه للتويم وهي من بلدان سدير:
“وكانت بلد التّويم قبل ذلك قد استوطنها أناس من عايذ بني سعيد، بادية وحاضرة، ثم إنهم جلوا عنها ودمرت، وعمرها مدلج وبنوه، وذلك سنة 700 تقريباً”
لذا فمن المرجح أن كثيراً من البلدات في نجد لم تنشأ من العدم، فعادة البلدات التي بعثت هي مواقع تكون معروفة، كبلدة هجرت فخربت، أو موارد مياه، أو منطقة سكنى لعدد قليل من الناس، أو منطقة قريبة من منطقة رعي وتبعيل، ويأتي زمن يتكاثر فيها الناس، أو يزداد النزوح إليها، فتشتهر، ويعتقد بعض الناس أن ذلك الزمن زمن تأسيسها، بينما هي كانت موجودة قبل ذلك.
كما أن أهل نجد يعرفون مناطقهم جيداً، ويعرفون الأماكن الصالحة للسكنى والزراعة، وقابلة للحماية، لذا فعادة تلك البلدات التي تبعث كانت مكان مستغل في السابق، كما قلنا سابقاً، ولكن كون التوثيق والمصادر التاريخية لا تغطي ما قبل الألف هجري بشكل جيد، نجد أن معرفتنا بتلك البلدات هو ما بعد الألف هجري.
بناء على ما سبق نقول أن من عدم الدقة التاريخية تحديد تواريخ معينة لتأسيس البلدات النجدية أو بعثها، إلا ما يثبت تاريخها، وبالأخص تلك البلدات التي عمرت بعد التدوين في نجد، أو ما يوثق من قبل أناس معاصرين لذلك التأسيس بوثائق ومصادر موثوقة.
فإنه من غير المنطقي، ولا يقبل عقلاً، ولا يستقيم مع تاريخ حياة المجتمعات، أن تكون بلدات ذات موقع متميز، كأن تكون أرضاً خصبة، ومصب وادي، وموقعها استراتيجي، تعمر في القرن العاشر أو الحادي عشر للهجرة؛ بينما بلدات تقع في موقع وعر، وقليلة المياه، وفي مكان يصعب العيش فيه، يمتد تاريخها لما قبل العصر الجاهلي.
أما عن سبب انتشار مثل هذا الأخطاء، نقول أن الدارس لتواريخ نجد، وبعض المصادر التاريخية، يجد أن كاتباً في زمن معين ذكر هذه المعلومة اجتهاداً منه – أو لأي سبب كان – ونقلها من بعده من نقلها، وتناقلها الآخرون دون دراسة وتمحيص، فاصبح الناس يرددونها.