إسماعيل بن رميح بن جبر بن عبدالله بن حماد بن عريض بن محمد بن عيسى بن عرينة من علماء سدير، ولد في بلدة العطار، تولى القضاء في العارض ثم انتقل إلى قضاء سدير في قارة صبحا (قارة بني العنبر)، توفي في حدود سنة 1010هـ.
مناسبة الخطبة:
خطب بهذه الخطبة الشيخ إسماعيل بن رميح عندما حصلت فتنة بين أهالي القارة أوائل القرن العاشر الهجري، وحثهم فيها على عدم الاستماع للسفهاء، ومن يريدون الفتنة، والاستماع للعقلاء، وأهل الرأي والحكمة، وأن مغبة الفتنة التفرق والضعف.
قارة صبحا (قارة بني العنبر)، قال الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (280هـ – 344هـ)، صاحب كتاب (صفة جزيرة العرب): “ثم تمضي بطن الفقي وهو وادٍ كثير النخل والآبار فتلتقي قارة بلعنبر، وهي مجهلة، والقارة أكمة جبل منقطع، في رأسه بئر على مائة بوع وحواليها الضياع والنخيل، قال زاجرهم:
إنا بنينا قارة وسط الفقي
من الدبابيب ومن سح المطي
ومن أمير جائر لا يرعوي
لا يتقي الله ولا يرثي شقي”.
– ذكرها سعد بن عبد الرحمن الرميح في مقال له بعنوان: “من أعلام بلدة العطار بسدير في القرن العاشر الهجري:
ابن رميح مؤلفاً وخطيباً”، نشر في صحيفة الجزيرة، العدد 12344، الأحد 20 جمادى الثانية 1427هـ.
– ويذكر الدكتور راشد العساكر أنه نقلها الشيخ إبراهيم بن محمد بن عثمان (١٣٤٤هـ – 1426هـ) من أحد الحفظة من كبار السن وبخطه. ( في مقال له نشر بصحيفة الرياض في العدد 14438 في 26 ذو الحجة 1428هـ).
اعلموا رحمكم الله أن الفتنة داء ممزوج بالمرارة شاربها، وسفينة غارق في الهلاك راكبها، ونار محرقة بلهبها موقدها، ماتحملها قوم إلا ندموا عليها، ولا أضرم نارها أحد الا وقع فيها، يفر شيطانها إذا أوقدها، ويفوز عاقلها إذا أخمدها، ولايضرمها إلا كل سفيه جاهل، ولا يصطليها إلا كل حليم عاقل، فتأكل بلهبها أموالهم، وتسلم إلى المقابر أبطالهم، أولها اتباع السفهاء في التنافر، وآخرها النار في حفر المقابر، ويهرع إلى أهل الفتنة من كل دار شيطانها، ويصيح في أقطارها أخواتها، فحينئذ تكون الغلبة للشياطين، وتكون الظلمة عليهم سلاطين، طاعة لأبي مرة ومعصية لمن خلقهم أول مرة، قد نزع الله الرحمة من قلوبهم، وحال الشيطان بينهم وبين محبوبهم، فحينئذ علت الأشرار على الأخيار، وفسدت بإماراتهم الديار، فلا ترى حليماً إلا موضوعاً ولا سفيهاً إلا مرفوعاً، ما أمر قوم سفهائهم إلا ضلوا، ولا خالفوا رأي عاقلهم إلا هلكوا واضمحلوا، فكم دمر الواشون من قبيلة عامرة، فانزلوهم الذل أرض الساهرة.
فاتقوا الله عباد الله وأصلحوا ذات بينكم عن الفتن، وطهروا قلوبكم من غل الدرن، واحذروا تبعة الأشرار، واعتبروا بمصارع أهل الفتن يا أولي الأبصار، فما أبرد ثوب العافية لو تلبسون، وما أحر جحيم الفتنة لو تصطلون، فاخمدوا رحمكم الله نار فتنتكم قبل أن تلمع فيكم بروقها، فقد فتحت الأشرار أبوابها، فاحذروا حقوقها، وأطيعوا مفاتيح الخير منكم يسعدكم منطقوها.
فيا أهل الصوم والصلاة، ويا أهل البر والثبات، ويا طالبي شرف المحيا والممات، خذوا على أيدي سفهائكم، وردوا أمركم إلى المرشد من خياركم، فوالذي بعث بالحق محمداً نبياً رسولاً، لأن نصحتم لله لينصرنكم، ولئن دعوتموه ليجيبنكم، ولئن خالفتموه ليعذبنكم.
واستعيذوا بالله من امارات المترفين، واعتبروا بمن قال الله فيهم في كتابه المبين: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } (سورة الإسراء – الآية 16) وقد ورد في الخبر أن أهل سفينة تقاسموا منازلهم فيها، فأراد بعضهم أن يخرق نصيبه منها، فقال بعضهم إن خرق نصيبه منها هلك وأهلككم، وإن قبضتم على يده نجا ونجوتم، فقبضوا على يديه فسلموا.
فانظروا رحمكم الله إلى ما وصفت لكم، فقد وضح السبيل، وافعلوا ما تؤمرون به، وذللوا أنفسكم في طاعة الله تذليلاً، والبسوا ثياب التقوى، فعاقبتها ظلاً ظليلاً، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (سورة النساء – الآية 59)
أجارنا الله وإياكم من شر شياطين الجن والإنس، ولا حرمني وإياكم جواره في رياض القدس، ووفقني وإياكم للعدل والإنصاف، وهداني وهداكم سبيل الرشد، ونزع من قلبي وقلوبكم ريب الفساد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} (سورة آل عمران – الآية 103).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وتاب علي وعليكم أنه هو التواب الرحيم.