بقلم: خالد بن مشاري الناصري التميمي
يطلق اسم (الداخلة) على مواضع عدة في أماكن متفرقة، والداخلة هنا بلدة من بلدان إقليم سدير الواقع شمالاً عن مدينة الرياض، والمسافة بين الداخلة ومدينة الرياض (١٧٥) كيلاً، ولها مفرق من طريق الرياض – سدير – القصيم (وهو مفرق كل من: روضة سدير والتويم والمَعْشَبة والحصون وحوطة سدير).
وتقع الداخلة بين خطي الطول ٤٥ و٤٦ وخطي العرض ٢٥ و ٢٦ (١) ويحدها شمالاً: بلد التويم. وجنوبًا: روضة سدير والـفـاصـل بينهما مجرى السيل (الوضيمة) وطريق أبا القصب وشرقا: قرى بلد الحصون، وغربا: روضة سدير.
الداخلة هي روضة الحازمي: قال صاحب كتاب (بلاد العرب) عند كلامه عن الفقي (٢): “ثم بطن الحريم، وهو وادٍ للبني العنبر بِالفَقْءِ ثم زُلفة وهي لهم أيضًا، ولهم جلاجل ومغزل، ثم الروضة وهي لبني العنبر أيضا، ثم البرقاء ثم تُوّم لبني حِمانَ من سعد” (۳)
وجاء في الهامش: تعليقاً على الروضة: بلدة معروفة في سدير من أكبر قـراه وسماها الهمداني روضة الحازمي (٤) انتهى. وهذا غير صحيح، إذ أن روضة سدير الحالية من المتواتر المشهور أن الذي بناها مزروع التميمي القادم من قفار سنة ٦٣٠هـ، وفي وقت لغدة والهمداني لم تكن روضة سدير موجودة بل الموجود روضة. وقال الهمداني: ثم تصعد في بطن الفقي فترد الحائط، حائط بني غبر، قرية عظيمة وكذالك جماز سوق في قرية عظيمة أيضا، ثم تخرج منها إلى الروضة روضة الحازمي وبها النخيل وحصن منيع ثم تمضي إلى قارة الحازمي، وهي دون قارة العنبر، وأنت في النخيل والزروع والآبار طول ذلك ثم توم ثم أشي ثم الخيس (1) انتهى. وكان سليمان بن مشاري بن علي (۷) وعبد العزيز بن مهنا (۸) وهما من أهل المعرفة والإطلاع يقولان: (إن الداخلة هي روضة الحازمي) وإلى الآن فإن كبار السن يقولون بدون تردد: (إن الداخلة تسمى سابقاً روضة الحازمي) (4). ومما يؤيد هذا أن الهمداني ذكر بعدها توم وهو التويم وإلى الآن التويم يقع بعد الداخلة .
وجاء في أوراق الشيخ عبد الله بن زاحم رحمه الله عن النواصر: (ومنهم نواصر نجد الحميضات أهل المذْنَب وأهل قفار وتوابعهم وأهل الروضة التي هي الداخلة، ويلحق بها باقي أهل الفَقِي – سدير – آل ماضي و وآل أبو حسين) (١٠) . والذي يهمنا هنا عبارة (الروضة) التي هي الداخلة، حيث عُرفت الروضة بأنها هي الداخلة، وليس المراد روضة سدير الحالية بل المراد الداخلة وهذا واضح لأن الكلام عن النواصر، والداخلة بلد للنواصر، أما روضة سدير الحالية فبلد للمزاريع، ويفهم من هذا تأييد لما يذكره كبار السن من أن الداخلة هي روضة الحازمي.
حوادث تاريخية متعلقة بالداخلة:
قال مؤرخ نجد ابن بشر عن حوادث سنة (۱۰۹۲هـ) : “وقتل محمد بن بحر صاحب الداخلة في المنيزلة” (۱۱) أما ابن عيسى فاختلفت عبارته حيث قال عن حوادث تلك السنة: “وفيها قتل محمد بن بحر الناصري التميمي في بلد الداخلة في سدير” (١٢).
وقال عن حوادث سنة (۱۱۱۱ هـ) : “وفيها ملك آل أبي راجح الربع المعروف في روضة سدير، وهو لآل أبي هلال، وذلك أنه سار إليهم فوزان بن زامل بأهل التويم، ونزلوا مدينة الداخلة، واستخرجوا آل أبي هلال من منزلتهم في الروضة” (١٣).
وقال عن حوادث سنة (١١٧٠هـ): “سار عبد العزيز رحمه الله تعالى (١٤) بـمن معه من المسلمين وقصد ناحية سدير، وأناخ في سُدَير، وأرسل إلى قضاتهم وهم حمد بن غنام قاضي بلد الروضة ومحمد بن عضيب قاضي بلد الداخلة، وإبراهيم بن حمد المنقور قاضي بلد الحوطة وأمرهم يرحلون معه” (١٥).
وقال عن حوادث سنة (١١٩٦هـ) ومنها الحرب بين أتباع الدعوة السلفية وبين بعض أهل بلدان سدير: “وكانت بلد الداخلة في تلك الحرب ملجأ لمقاتلة (١٦) المسلمين، وأرسل إليها منصور بن حمد بن إبراهيم رئيس بلد الفرعة عشرين رجلاً” (۱۷) وهذا الخبر صريح في أن الداخلة من قواعد مناصرة الدعوة السلفية في سدير، وأن أهلها من أنصار الدعوة.
ويرى الأمير تركي بن محمد آل ماضي أن حميدان الشويعر في قصيدته التي مدح بها محمد بن ماضي التميمي أمير روضة سدير، ومنها:
من بنابيت عمرو الندى مفخره | لابن ماضي محمد رفيع الثنا |
إن نَخَيْتة على قالة فكها | وان نخيته على وارد صدره |
يقصد الحادثة السابقة التي ذكرها ابن بشر (۱۸)، وهذا غير صحيح لأن تلك الحادثة وقعت في سنة (١١٩٦هـ) ومحمد بن ماضي الذي يخاطبه حميدان مات في سنة ١١٥٨هـ (١٩) فلا يعقل أن يخاطبه حميدان عن حادثة وقعت بعد وفاته، إضافة إلى أن حميدان قد يكون توفي قبل سنة (١١٩٦هـ) فإن ثبت هذا فإنه لا يعقل أن يقول شعراً عن حوادث وقعت بعد وفاته . فالصحيح أن حميدان يشير إلى حوادث أخرى قبل سنة (١١٩٦هـ ) وهي بلا ريب غير التي ظن ابن ماضي أنه قد أشار إليها ابن بشر.
وقال الشيخ حسين بن غنام عن حوادث سنة (١١٩٦هـ) أيضاً: “ثم نهضوا – يعني سعدون بن عريعر (۲۰) وجموعه إلى أهل الداخلة وكان فيها محمد بن غشیان (۲۱) ومعه جماعة من الفرسان أهل النجدة فخرج مع جماعته للقاء المعتدين ونازلهم وردَّهُمْ على أعقابهم مدحورين، بعد أن قتل منهم و رجالاً أغلبهم من أعيانهم وثبتت بلدان سدير” (۲۲).
وبعد سقوط الدرعية سنة (۱۲۳۳هـ) خرَّبَ الأتراك وأعوانهم نجداً وخاصة البلدان الأشد مناصرة للدعوة السلفية فقال ابن بشر عنهم أنهم “قطعوا من بلد الداخلة أكثر من ألف نخلة” (۲۳).
وقال عن حوادث سنة (١٢٣٦هـ): “ففي أول شوال أرسل صاحب مدينة الداخلة إلى صاحب جُلاجل وطلب منه يرسل إليه رجالاً يرابطون عنده، ويبعث معهم طعاماً وسلاحاً، وساروا عليهم أهل الروضة ثالث شوال وقتل منهم رجل، واصيب غيره، ثم صار عدة وقعات ومقاتلات بين أهل جلاجل وأهل التويم وأهل الروضة وأهل عشيرة وصار إقبال في سدير وإدبار بالقتل والسلب” (٢٤). وقال أيضا: “وفي الليلة السادسة والعشرين من شوال سطوا أهل عشرة وأهل التويم في الداخلة، واستولوا عليها، وحصروا من كان في المدينة من أهل جلاجل والدخيل ومحمد بن عمر وغيرهم فهرب من هرب منهم وباقيهم نزلوا منها على دمائهم وهدموا المدينة ودمروها” (٢٥).
النصان الأخيران يوضحان حالة الفوضى وانعدام الأمن التي وقعت في سدير بعد سقوط الدولة السعودية الأولى .
وحين عاد الملك عبد العزيز رحمه الله إلى نجد كانت أول وقعة له في نجد في الداخلة على قبيلة قحطان في سنة (۱۳۱۸هـ)قبل فتح الرياض، ويسميها كبار السن (سنة قحطان) وفيها يقول سليمان بن مشاري بن علي الناصري مخاطباً الملك عبد العزيز رحمهما الله:
أنا راعي القرية اللي | خذتوا عليها قحطان |
أول مظهار ظهرته | لِنَجَدٍ هَاكَ الزمان (٢٦) |
أهل الداخلة:
الداخلة في الفقي وهي منازل لقبائل بني العنبر بن عمرو بن تميم منذ قبل ظهور الإسلام، وعلى هذا فقد يكونون هم الذين أسسوا الداخلة وسكنوها. والداخلة منذ مئات السنين إلى يومنا هذا من بلدان قبيلة النواصر العَمْرِية التميمية، وقد ذكر ذلك حميدان الشويعر في قوله: (واهل الداخلة النواصر) وحميدان كان موجوداً في نهاية القرن الهجري الحادي عشر.
النواصر:
النواصر قبيلة من قبائل بني عمرو من تميم والنسبة إليها (الناصري) وهي في الأصل قبيلة بدوية كبقية القبائل التميمية ولاتزال منها أفخاذ بدوية إلى اليوم.
أما العشائر المتحضرة من النواصر فهي أكثر من ست وثمانين عشيرة (٢٧)، وهي منتشرة في كثير من بلدان نجد كحائل وقفار في الشمال والمذنب وعنيزة في القصيم، والداخلة والفَشْخَا – قرب المجمعة – والحوطة والروضة والغاط في سدير، وثادق وحريملاء في المِحْمَل، والفرعة والقصب والمشاش وشقراء والقراين في الوشم، وفي قصور آل مقبل قرب ضرماء (۲۸) . وفي المنطقتين الشرقية والغربية، وفي الرياض، وفي الكويت والعراق وغيرها.
ومن سكان الداخلة قديما وحديثاً:
ومن أهل الداخلة أيضاً أسر كريمة أخرى، وهي: الصوينع والخراجا (كانوا في الداخلة ثم انتقلوا منها قديماً) والعومي والعتيق، وغيرهم.
وفي الختام فإنني أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أمدني بمعلومات أو ملاحظات، فالمرء ضعيف بنفسه، قوي بالله تعالى ثم بإخوانه.
المراجع والتعليقات:
24، 25. ابن بشر، ج ۱، ص ۲۳.
قل لابن عسكر يجينا ترى العود الوعد | ما اتعذر عن جواب وانا اللي قايله |
وقد نشأ في الداخلة، ثم انتقل إلى العود في التويم، وأخواله آل خليفة أمراء البحرين.
المصدر: الناصري، خالد بن مشاري. (1995). من قرى منطقة سدير: الداخلة. العرب، مج 30 , ع 5,6، 386 – 395.