أجمع علماء اللغة أن سُدّيرٌ: لفظ مشتق من المصدر الثلاثي (سدر)، وهو يعتبر اسم تصغير (بكسر السين وسكون الدال. والسدر: اسم الجنس، والمفرد منه (سِدْرَة). والسدر: هو الشجرُ المعروف. وهو على نوعين: الأول: سدرٌ بَري لا يُنتفع بثمره، ولا يُؤكل، وهو ذُو شَوك، والعرب تسميه (الضّال). الثاني: سدر ينبتُ على الماء، وثمره يسمّى (النَّبِق)، لا شوك فيه، أوراقه يُغتسل بها، يُشبه شجر العنب، وثمره أصفر مز يتفكّه به.
ونقل الزبيدي عن أبي حنيفة من قول ابن زياد وأجود نبق يُعلمُ بأرض العرب نبق هجَرَ، يسمّى للسلطان، وهو أشدّ نبقٍ يُعلمُ حلاوةً، وأطيبه رائحة، حلو المذاق، طيِّبُ الرائحة، يفوحُ فمُ أكله، وثيابِ مُلابِسهِ كما يفوحُ العطر، ويسمى (العبري)، ولا شوك فيه. وجمع السدرة: (سدرا)، و(سِدَرًا)، و(سدرات). وذو سدر) بالکسر، و (ذو ســدير) بالتصغير، و(السدرتان) مثنى سدرة مواضع.
– قال ذو الرمة:
قطعتُ إذا تجوفتُ العَوَاطِي | ضُرُوبَ السَّدِرِ عُبريَّا وَضَالاً. |
وفي قوله: «تجوفت» دخلت الأبل في جوف السدر من شدة الحرّ. يقصد بالعواطي: هي جمع عائط من النّوقِ، وهي التي ضربها الفحل فلم تحمل.
– قالَ اللّيثُ:
السَّدَرُ: اسمدرارُ البصر، حيثُ يقال: سَدِر بصره يسدرَ سَدَرًا: إذا لم يكن يُبصر فهو سَدِر، وعينٌ سَدِرة ويقالُ: سَدِرَ البعيرُ: تَحيَّر بصره من شدة الحر، فهو سَدِرٌ ، وسَدِرَ بَصرُه واسمدرَّ: تحيَّرَ فلم يُحسِن الإدراك. وفي بصرهِ سَدَرٌ وسَمَادِيرُ، وَسَدِيرٌ، كأمير، منبع الماء، عن ابن سيده، قال الليثُ: السَّدِيرُ: نهر بالحيرة بناحية من أرض العراق وقيل: السَّدِيرُ: النَّهرُ مطلقًا. وقد غلب على هذا النّهر، وفي نوادر الأصمعي قال أبو عمرو بن العلاء: السَّدِيرُ: العُشْبُ. وقال عدي:
سره حاله وتَكْرَةُ مَا يملك | والبحرُ مُعرِضــا والـــدير. |
– قال ابن السكيت:
عن قول الأصمعي: سَدِيرٌ: قصر في الحِيرَةِ من منازل آل المنذر، وأبنيتهم. وفي الصحاح وأصله بالفارسية (سه دلة، أي: قبة في ثلاث قباب متداخلة، وهي التي تسميه اليومَ النّاسُ سِدِلَّى. فأعربته العرب فقالوا: سَدِيرٌ وسَدِيرُ النَّخْل: سواده ومجتمعه.
وسَدِيرٌ أيضًا: أرض باليمن تُجلب منها البرود المثمنة. وسَدِيرٌ أيضًا: موضع بمصر في الشرقية قرب العباسيةِ. وسَدِيرُ بن حكيم الصيرفي: شيخ لسفيان الثوري، سَمعَ أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين، قاله البخاري في التاريخ. وفي ديوان الهذليين من شعر أبي ذؤيب الهذلي قوله:
أصبحَ من أم عمر و بطنُ مُرٌّ فَأَجْـ | زاعُ الرَّجِيعِ فذُو سِدْرٍ فَأَمْلاح. |
وهذه مواضع ماء، وأماكن من نواحي مكة للهذليين، ووادي مر يجتمع عنده وادي النخلتين). وذو سُدَيْرٍ قاع بين البصرة، والكوفة، والسُّدَيْرِ: ماء بالحجاز، وقرية بسنجار. ويقالُ: سُدَيْرةُ: بِهَاء. والسُّدَيْرُ: موضع بديار غطفان.
– قال الشاعر:
عَزَّ عَلى لَيْلَى بِـذي سُدَيْرِ | سوء مبيتي بلد الغمير. |
قيل: يريد: بذي سِدْرٍ، فَصَغَرَ. وقيل ذو سدير موضع بعينه.
– والحاصل أنه يتبين لنا أنَّ سُدير المعروفة اليوم بواديها لم يرد لها ذكر بهذا الاسم عند علماء اللغة في المعاجم كبلادٍ، أوقرية، أو موضع، أو وادٍ بناحية اليمامة.
السدير في الشعر العربي، ودلالاته المكانية عند البلدانيين:
من خلال اطلاعي في مصادرِ الشّعر العربي سواءً في العصر الجاهلي أو الإسلامي، فجميعها تذكر موضعين في مشتقات سدر» وهي كما يلي:
– «السَّدِير» (بفتح أوله وكسر ثانيه ثم ياء مثناة من تحت)ـ
– «ذو سُدير» (بضم أوله وفتح ثانيه ثم ياء مثناة من تحت)
أولاً: الشواهد الشعريّةُ الَّتي ذكرت «السدير»
قال الشاعر: المتلمس الضبعي:
ألـــــك الســـــــديـر وبــــــارق | ومبائض ولك الخورنق. |
والقصر ذو الشرفات مـــــن | سندادِ والنخل المنبق. |
وفي رواية: ولك السدير.
– وقال الشاعر: الأسود بن يعفر وهو شاعر جاهلي:
أهل الخورنق والسدير وبارق | والقصر ذي الشرفات من سندادِ. |
– وقال الشاعر المنخلُ اليشكري، وهو شاعر جاهلي:
وإذا سكرت فإنني | ربُّ الخورنق والسدير. |
– وقال الشاعرُ الذَّهَابُ العجلي:
أبي القلب أن يهوى السدير | وأهله وإن قيل عيش بالسديرِ غَريرُ. |
به البق والحمّى وأسد خفية | وعمرو بن هند يهتدي ويجور. |
– وقال الشّاعرُ عمرو بن أمامةٍ:
ألابــــن أمـــــك مـــــا بـــــدا | ولـــك الخـورنــق والسدير. |
فلامنعن منابت الــــــ | ـضمران إذ منع القصور. |
– وقال الشاعر عدي بن زيد:
وتبين ربّ الخورنق إذ | أشرف يوماً وللهدى تفكير. |
سره حاله وكثرة ما يملك | والبحر معرضا والسدير. |
ما سبق إنما هو بعض الشواهدِ الشّعريّة المتضمنة موضع الشدير وما ورد فيه من الشعر.
ومن أشهر الأبيات وأكثرها استشهاداً وشهرة عند الباحثين المعاصرين في تاريخ «سدير» وبلدانها أبيات الملتمس الضبعي ، لأن هذه المواضع مماثلة في أسمائها لبعض المواضع الموجودة في منطقة سدير، ونكتفي بتوضيح المواضع الواردة في شعر المتلمس، لأن بقية الأبيات الأخرى تتضمن ما ذكره وتؤكده.
وصفُ البلدانيين للمواضع الواردة في أبياتِ المتلمس الضبعي، وتحديدها:
نستعرض في هذا المبحث المواضع الواردة في أبيات المتلمس الضبعي، فنقول وبالله التوفيق.
السدير (بفتح السين):
– قالَ ابنُ الفقيه الهمذاني ( ت ۳۱۸ هـ تقريباً ) وسمّي «السَّدير» لأن العرب نظرتْ إلى سوادِ النّخل فسدرتْ أعينهم أي تحيّرت فقالوا: ما هذا إلا سدير، وقالوا السدير ما بين نهر الحيرة إلى النّجفِ إلى كسكر من هذا الجانب.
– قال الجوهري (ت ۳۲۱هـ) «السَّدير»: موضع معروف بالحيرة كان المنذر الأكبر اتخذه لبعض ملوك العجم، وقد قالوا السَّدير النهرُ أيضًاً.
– قال يعقوب الهمداني: (ت ٣٣٤هـ) والسَّدير وبارق محاضر العرب في العراق (أي منازلهم في القيض ومسقى أموالهم).
– وقال البكري (ت ٤٨٧هـ): السَّدِير بفتح أوله وكسر ثانيه): سَدِير العراق، معروف، سُمّي بذلك لأنَّ العرب لما نظرت إلى سوادِ نخله سدرتْ أعينهم (أي تحيرت) فقالوا: ما هذا إلا سَدِير. واستشهد ببيت المنخل.
– وكذلك قال نصر الاسكندريّ: (ت ٥٦١هـ) سَدِير: (بفتح السين وكسر الدال). من أرض العراق عند الحيرة من منازل آل منذر وأبنيتهم، وقيل: موضع باليمن، وسديرة: ماء بين جُرَاد والمروت.
– وقال الحازمي الهمداني (ت ٥٨٤هـ) في باب سَدِير وسُدَير: أما الأوّل (بفتح السين وكسر الدال) من أبنية آل منذرٍ عندَ الحيرةِ، وقال الليثُ والسدير نهر بالحيرة، ونقل عن الأصمعي قوله: السّدِير كلمة فارسية كان أصله (سادل) أي قبة في ثلاث قباب متداخلة وهو الذي يسميه النَّاسُ اليوم (سدلا) فأعربته العرب قالوا سدير.
– أما ياقوت الحموي (ت ٦٢٦هـ) فقد ذكر أنَّ السَّدير يطلق على نهر، ويُقال قصر، ونقل عن العمراني أنه قصر قريب من الخورنق في وسط البرية التي بين الحيرةِ والشّام. وقال ابن الفقيه: نهر بالحيرة ،معروف، ما بين نهر الحيرة إلى النجف إلى كسكر من هذا الجانبِ. وقال الكلبي أنه أرضُ باليمن تنسب إليها البرود. وقيل أن أصل التسمية كلمة فارسية معربة أصلها: (س هـ د ل)، أي قبةٌ فيها ثلاث قيب متداخلة، قاله الأصمعي – ثم قال ياقوت -: وذكر بعض أهل الأثر أنه إنما سمّي بذلك لكثرة سوادهِ وشجره، لأنَّ العرب لمّا أشرفت على السوادِ بالعراق ونظروا إلى سواد النخل سدرت فيه أعينهم بسواد النخل، فقالوا ما هذا إلا سدير. وعلّق ياقوتُ على هذا المعنى بقوله: «وهذا ليس بشيء لأنه سمّي بسدير قبل الإسلام بزمن، وقد ذكره عدي بن زيد وكان هلاكه قبل الإسلام بمدة، والأسود بن يعفر جاهلي قديم».
– وخلاصة الأقوال السابقة لعلماء البلدان في موضع «السَّدير» أنه يطلق على قصر، ونهر، وموضع، في ناحية الحيرة بالعراق، وهو المقصود في شعر المتلمس الضبعي، كذلك يطلق على موضع في اليمن.
المصدر: وادي سدير: دراسة في المصادر البلدانية والتاريخية/ إبراهيم بن محمد بن عبدالله الخميس، 1442هـ. ص ص 8-15.
مقالات ذات علاقة: