بقلم: ناصر بن عبدالله بن علي المهيدب
سبب التسمية:
نسبة إلى أكمة في وسطها تحمل هذا الاسم، يظهر في أعلاها وجوانبها بقايا أساسات وسور لقلعة ومبان متراصة تدل على اكتظاظ المكان بساكنيه، ويوجد في جانبها الجنوبي الشرقي أطلال برج متهدم جانبه، يقال بأنه منارة مسجد القلعة، وهناك بئر في جانبها الشمالي الغربي منحوت في الجبل، له فتحة إلى الأعلى، وفتحة أخرى تظهر إلى جانب الجبل، بحيث يستفيد من الماء الساكنون في أعلاها والآخرون الساكنون في جانبها.
والقارة مصطلح يطلق على معان عدة، منها: الجبل المتفرد أو المنقطع وجمعها قارات وقور، جاء في لسان العرب: القارة: جمعها قور؛ وهي: الجبيل الصغير، قال اللحياني: هو الجبيل الصغير المنقطع عن الجبال. وقيل: هي الجبيل الصغير الأسود المنفرد شبه الأكمة، قال بن شميل: القارة جبيل مستدق ملموم طويل في السماء لا يقود في الأرض كأنه جثوة، وهو عظيم مستدير، والقارة: الأكمة، قال الليث: القور جمع القارة، والقيران جمع القارة، وهي الأصاغر من الجبال والأعاظم من الآكام.
وهذا الوصف ينطبق تماماً على هذه الأكمة التي نسبت إليها بلد القارة.
قارة صبحا (قارة بني العنبر)
الموقع الجغرافي:
يشاهد العابر من طريق (سدير القصيم القديم) متجها شمالاً قبل أن يصل حوطة سدير مباشرة، وفي بلدة مقبلة -شمالية القارة قديماً- بالتحديد الأكمة التي سميت بها قارة بني العنبر التاريخية على يساره، يراها ويرى بقايا أطلال البرج القائم ماثلة في أعلاها، ويرى بقايا السور القديم لبلد القارة تفترق عن يمين الطريق ويساره.
فهي تتربع وسط وادي الفقي (سدير حالياً)، وتتسيد التاريخ القديم فيه، ولا يعرف بالتحديد متى كانت عمارة بلد القارة، ولكن من المؤكد أنها لم تكن قبل الإسلام، والأقرب أنها في صدر الإسلام الأول، ولعل أقدم ذكر للقارة هو ما ذكره الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب)، ووقوف الهمداني على ذكرها ووصفه لها دليل على تقدم عمرانها قبل زمنه بفترة ليست بالقليلة، وذلك أن عمارة البلدان منذ نشأتها حتى تأخذ اسمها كبلد آهلة بالسكان، ممتد أثرها ومشتهر خبرها يحتاج إلى فترة طويلة.
وذكرها لغدة الأصفهاني في كتابه (بلاد العرب) في القرن الثالث الهجري، فقال: “ثم القارة وهي لرجل من أهل اليمامة”.
والمتتبع للنصوص والآثار الباقية يدرك أن بلد القارة قديماً هي الناحيتان الشمالية والجنوبية من القارة، وأما بلد الحوطة فلم يشملها اسم بلد القارة إلا في فترة لاحقة؛ حيث كانت بلد القارة قديماً عبارة عن قسمين هما:
– شمالية القارة (بلدة مقبلة حالياً تقريبا)، وكانت شمالية القارة قديماً حدودها من الموضع المسمى (أم حمار) المعروف في أسفل حوطة سدير إلى حدود بلد الجنيفي، ويستطيع إدراك ذلك المتتبع للسور القديم للقارة، ومن (أم حمار) تبدأ نخيل ومنازل الحوطة القديمة.
– وأما جنوبية القارة (جنوبية سدير حالياً) فكذلك يدرك المتتبع لسور القارة قديماً حدود الجنوبية القديمة هي (أرض أو حيالة الخضيري) المعروفة، فمن موقعها يتبين أنها كانت خارج جنوبية القارة قدماء وكانت تعتبر جزءاً من نخيل بلد الحوطة فيما مضى، وهذا ما تؤكده معلومات كبار السن أيضاً وأما ما كان دونه من داخل السور فهو داخل في حدود الجنوبية القديمة.
وضابط الموقع أن كل ما أسقته وضيمة (قرّاشة) من النخيل فهو ضمن شمالية القارة قديماً، وكل ما أسقته وضيمة (مخلص) من النخيل فهو ضمن جنوبية القارة.
والذي يفصل بين الشمالية والجنوبية بطن وادي الفقي، ثم توسعت بلد القارة وشملت بلد الحوطة (الحائط قديماً) فيما بعد.
وهذا ما يشير إليه وصف الهمداني لها حيث يقول: “ثم تمضي في بطن الفقي، وهو واد كثير النخل والآبار، فتلقى قارة بلعنبر، ثم تصعد في بطن الفقي فترد الحائط حائط بني غبر قرية عظيمة فيها سوق… إلخ”.
وما ذكره الهمداني يوافق ما ذكرته أبيات عثمان ابن نحيط، عندما أخذ بلد الحصون، وفارقه أخوه فائز مغاضباً إلى محلتهم في بلد القارة، بعث إليه بقصيدة يسترضيه، وفيها يقول محددا بلد القارة قديماً:
سرها جنوب من المسمى الحصون إلى
دار المناعير يوم الروع وعصات
مفضى الجويفا وبين القارتين على
جزع الفقى حدها دار العرينات
وكان مما أجابه به أخوه فايز قوله:
إن سرتها من ربا صبحا فيممها
وادي سدير من اقرب المسافات
قم أيها المرتحل من فوق ناجية
تزهى شداد مصاليبه قويات
وما يمكن ملاحظته في هذه الأبيات، أن الشاعر لم يذكر شعيب (الأمالح) الذي يسقي بلد الحوطة، وهو رافد من روافد وادي الفقي أعلى من شعبة الجويفا المذكورة، مما يفهم منه أن مسمى القارة وإن كان قد اتسع في عمومه ليشمل بلد الحوطة، إلا أنه بقي -في عرف أهلها- أن الحوطة ناحية من القارة منفصلة لها خصوصيتها ولذلك خرجت من تحديد ابن نحيط للقارة، ذلك التحديد الذي يتوافق مع ما ذكره الهمداني وهو يعدد قرى وادي الفقي.
قارة صبحا (قارة بني العنبر)
علاقة بلد القارة ببني العنبر:
ارتبط اسم القارة ببني العنبر منذ نشأتها حتى عرفت بهم -قارة بني العنبر- وعرفوا بها فلم يعد يطلق -في القرون المتأخرة- على هذا البطن -آل مانع- الذي بقي مستقراً فيها من بني العنبر إلا (أهل القارة)، فإذا قيل: إن هذه الأسرة من أهل القارة فالمراد أنها من هذا البطن، ولا غرو فهم أهلها وهم من أنشأها.
ومنذ القدم يسكن نواحي الفقي (سدير) من بني عمرو بن تميم بطون من بني العنبر، وهم من أشير إليهم سابقاً وقد كانت بطون بني العنبر من خلال المصادر القديمة تحتل رقعة واسعة من نجد وشمال جزيرة العرب.
وأما منازلهم اليوم فتمتد في بلدان واسعة جداً من وادي المجازة في حوطة بني تميم، والحلوة، والقويع جنوباً إلى إقليم سدير إلى الزلفي، والقصيم، وحائل؛ والجوف شمالاً، فلهم على هذا الامتداد بلدان وقرى ومنازل ومحلات اختصوا بها وتتبعها أودية وشعاب وصحار؛ هي لهم المنتدى والمنتجع والمصطاف والمتربع.
من علمائها:
- الشيخ محمد بن جمعة بن سيف بن أحمد بن مانع التميمي نسباً القاري -نسبة لقارة بني العنبر- بلداً الحنبلي مذهباً من علماء القرن العاشر الهجري تقريبباً له تملكات على بعض الكتب، وله وقفية على كتبه هو وابنه الشيخ أحمد بن محمد بن جمعة جعلا الناظر عليها المصلح من أبناء أخيه.
- الشيخ إسماعيل بن رميح بن جبر بن عبد الله بن حماد بن عريض بن محمد بن عيسى بن عرينة التّيمي -من تيم الرباب- نسباً القاري بلداً الحنبلي مذهباً، قاضي بلد القارة، وإمام وخطيب جامعها، توفي في نهاية القرن العاشر الهجري تقريباً، صاحب المجموع المشهور (مجموع بن رميح) المسمى ‘التحفة”، وهو من قضاة (القارة)، وقد تولى قبلها القضاء في العارض، ثم انتقل إلى القارة، وقد توفي حدود سنة 970هـ، وقيل في حدود: سنة 982هـ.
– الشيخ أحمد بن محمد بن جمعة بن سيف بن أحمد بن مانع التميمي نسباً القاري بلداً -نسبة إلى قارة بني العنبر (قارة صبحا)-، الحنبلي مذهباً من علماء القرن العاشر الهجري تقريباً له تملكات على كتب عدة في الفقه.
– الشيخ عيسى بن أحمد بن ظاهر الوهبي التميمي، عاش حياته في القرن العاشر الهجري؛ وهو أحد قضاة بلد القارة، ومعدود من علماء العارض، له تقييد شرعي بإيقاف كتب محمد بن جمعة بن سيف بن أحمد بن مانع وولده الشيخ أحمد بن محمد بن جمعة قيده وشهد عليه، ونصه كما يلي: “الحمد لله؛ الموجب لتحريره الباعث الحاث لتسطيره؛ إن إبراهيم بن خميس وعيسى بن ظاهر شهدوا بعد الاستشهاد الشرعي أن …، والمحرر، وغاية المطلب، والزركشي، والمقنع، وشرحه، كتب محمد بن جمعة بن سيف وأحمد ابنه وقف على علماء الحنابلة، والناظر عليهن المصلح من أولاد خميس بن جمعة أصلحهم الله حَرَّر ذلك وصّح ولَزْم عنده وكتبه خادم الشرع الشريف عيسى بن ظاهر غفر الله له ولوالديه، وللمسلمين آمين'”. والشيخ عيسى هو والد الشيخ أحمد بن عيسى بن ظاهر الوهيبي التميمي -هكذا كتب اسمه ونسبه بخط يده-، عاش حياته ما بين الربع الأخير من القرن العاشر الهجري إلى ما بعد منتصف القرن الحادي عشر وللشيخ أحمد هذا جهود في نسخ الكتب منها: نسخ كتاب (التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع) للإمام العلامة علي المرداوي، وقال في آخرها: “كاتبه ومالكه الفقير إلى رحمة ربه المبدي أحمد بن عيسى النجدي وكان الفراغ من تعليقه يوم الخميس ثامن عشر جمادى الآخر من شهور سنة 989هـ” كما نسخ كتاب (شرح منظومة الكافية في الفرائض) قال في آخرها: “كان الفراغ من تعليق هذا الشرح بعد الظهر يوم الثلاثاء خامس رجب الأصب الحرام من شهور سنة اثنين وخمسين وألف (1052هـ) لنفسه العبد الفقير المعترف بالذنوب والتقصير أحمد بن عيسى بن ظاهر الوهيبي التميمي الحنبلي تاب الله عليه وغفر له ولوالديه، ولمن دعا لهم المغفرة والأمن يوم الفزع الأكبر ولجميع المسلمين أجمعين آمين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم”، وهو ممن طلب العلم في بلاد الشام.
- الشيخ سيف بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد الأحيدب، وهو من قضاة وعلماء القارة، وقد صادق على التقيبد الشرعي الذي كتبه الشيخ عيسى بن أحمد بن ظاهر وشهد عليه بوقف كتب الشيخ محمد بن جمعة بن سيف بن مانع وابنه أحمد المتقدم ذكره وأنها وقف على علماء الحنابلة، وهذا نص مصادقته: “نظرت في هذه الوثيقة فوجدتها على الحقيقة، قال ذلك وألزم به الفقير إلى الله تعالى سيف بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن أحمد الأحيدب”، وكانت تزكية الشيخ سيف المذكور وتصديقه لتأخذ الوقفية والتقييد الصيغة الشرعية.
– الشيخ حسين بن علي الضبيب لقباً الوهبي نسباً القاري بلداً، وهو من آل شبرمة من آل محمد من الوهبة من بني حنظلة من قبيلة بني تميم من علماء القارة، نسخ العديد من الكتب منها كتاب نسخ سنة 1109هـ حسب ما أشار إليه الشيخ عثمان بن منصور الناصري التميمي في كتابته لإحدى وصايا أحفاد الشيخ حسين هذا، وتوفي في سنة 1110هـ في مرض أصاب بلد الجنوبية ذلك العام، ذكر الفاخري في تاريخه: “وفي سنة 1110هـ وجبة الجنوبية وموت حسين الضبيب في الجنوبية”، والوجبة لها معان عدة في لغة العرب، وتفهم حسب السياق الذي جاءت فيه، والمراد بالوجبة هنا: الموت بسبب مرض يفتك بالناس، ولعله الجدري فقد ذكر المنقور حوادث تلك السنة وقال: “وفيها الجدري”.
– العالم الغني عن التعريف الفقيه المؤرخ الشهير أحمد بن محمد بن أحمد المنقور السعدي التميمي (1076هـ- 1125هـ) من أهل حوطة سدير أحد نواحي بلد القارة قبل انقسامها إلى بلدان، صاحب التاريخ المشهور باسمه: (تاريخ المنقور)، وكتاب: (الفواكه العديدة)، وكتاب: (جامع المناسك الثلاثة الحنبلية)، وكان رحمه الله ممن تصدر لإشاعة العلم تعليماً وتأليفاً.
قارة صبحا (قارة بني العنبر)
المصدر: هميلان وبنو عمرو بن تميم: قراءة تاريخية/ ناصر بن عبدالله بن علي المهيدب. لندن: دار الحكمة، 2022م.
تنويه الموقع: هناك كتب مخطوطة كثيرة نسخت في بلد القارة، وكان يذكر النساخ في أخر هذه الكتب نسخ في بلد القارة، وحيث إنها كانت بلد اجتمع فيه العلماء، فمن المرجح أنها كانت قبلة لأهل المنطقة من طلبة العلم لمن أراد نسخ كتاب أو الحصول على كتب منسوخة، وهذه الفرضية (أن القارة كانت مركزاً للوراقين) يحتاج إلى تمحيص وتدقيق لدراسة صحة هذه الفرضية.